قُبَّرة الحقول
قُبَّرة الحقول
نعيم الغول
قلت لعبد الجبار موظف الداخلية مساء ذلك اليوم :"آسف"
وقلت :"أنا طبيب قلب وحسب".
وفي "الحقيقة" هو يعرف ذلك، ويعرف أنني شاعر وقاص وروائي ورسام تشكيلي وممثل مسرح وتلفزيون وسينما. فنان شامل كما يقولون.
ولكنه حين جاء بها . قلت آسف.
الحقيقة لم أكن افهمها أيضا. لم افهم تلك المرأة أبدا. وكنت – وأظنني ما أزال – اعتقد أن من الصعب أن تطوقها بذراعيك . امرأة بمثل عنفوانها، رجل واحد لا يكفيها. كما لا يمكن امتلاكها بخاتم في أي إصبع من أصابع اليد، ولن تربطها ولا بأطفال حتى ولو كانوا ذوي أجنحة مثنى وثلاث ورباع. ومع هذا فرغبات الرجال جميعا ترحل إليها دون سام ..دون ملل. حتى النساء في أعماقهن يتمنين أن تحل فيهن قبرة حقول عساها تكون جواز سفرهن إلى قلوب الرجال.
ورغم أنها كانت كابنة المختبرات، لا أب ولا أم ، إلا أنها كانت مزهوة بجمالها، وملاحقة الجميع لها، وتَمنيهم ودَّها.
عبد الجبار أيضا كان يريدها. ربما كانت له أسبابه التي لا أعرفها ،ولكني اعرفه. عبد الجبار لا يطيق أن يرى شيئا عصيا على التطويع ،فكيف بامرأة مشكلتها أنها عصية على الرجال . مشاكسة لكل النساء؟
ولهذا أظن أنه كان يلاحقها ويطاردها و بعنف أحيانا، وحين يلتقي معها وجها لوجه في زقاق يطبق عليها حتى يكاد يخنقها، لولا تدخل "أهل الخير والإصلاح" من أمثالي في كل مرة.
فكيف يدخل معها الآن إلى عيادتي "أنغجيه"؟ كيف صادقها؟ هل استغل حب الظهور لديها؟ أم تعبت هي من لعبة القط والفأر؟
معرفتي به تقول إنه حين لا ينجح بأسلوب يلجا إلى غيره. ربما تعب هو الآخر – أقول ربما- وريثما يلتقط أنفاسه فضل "في هذه المرحلة" أن يحتويها. ولابد انه أقنعها أن له أصدقاء في كل مكان يستطيعون العناية بها وتلميعها وإبرازها على المسرح والتلفزيون والفضائيات. وهو كموظف في الداخلية لن يعدم وجود أصدقاء ومعارف في كل مكان.
لا بد انه أقنعها بذلك. وهي امرأة قبل وبعد كل شيء. وما المرأة ؟ مزمار تنفخ فيه فيزمر، ويستجيب لحركات الأصابع فيتلون الصوت كما يشاء الزمار خاصة حين لا يكون هناك رجل "يملأ عينها" ويحميها.
حين جاء بها إليّ . لم اصدق ما رأيت. قلت آسف على الفور. نعم قلت آسف، وأنا اشعر بالأسف فعلا، لا لأنني لا أريد مساعدتها، بل لأنها ليست وظيفتي. فأنا طبيب "قلوب" ولست أخصائي تجميل لامرأة باتت مشوهة.