وانتصر الحب
م. زياد صيدم
شرد فكره.. تعلق نظره بتقاسيم وجهها..دقق في كل حركة وإيمائه.. تسمرت أطرافه.. توقف الزمن ..غاص بعقله في أعماق اللحظة من خلال تساقط حروفها كمطر اسود.. شكلته قطرات من ألم وعذابات جسد وروح.. كانت قد تعودت عليها سابقا.. لكنها اليوم أشد وقعا وفاجعة.. لأنها تعيش حياة أمل وحب من اجله .. عندما اغتسلت وجنتاه بدمعه الساخن بصمت ..كان قد استسلم بعد أن أفاق على واقع رسمه بعناية وحتمية ذاك القاتل المحترف! ...
معها كان يعيش قصة حبه الأكبر.. إحساس عرفه مرات عديدة من خلال مسيرة حياته.. لكنه الأصدق والأقوى والأعنف.. انه يشعر بحاجته اقوي من ذي قبل.. إنها تمنحه كل شيء حتى فاضت انهار قلبه وعقله عشقا .. أغرقته بحب وحنان لم يعهد له مثيلا في ماضيه الحافل سوى مرة واحدة منذ سنوات طوال!.. أحسه من خلال قلب يعلم يقينا بأنه يحيا ساعات طويلة معها.. فتتجسد له إنسانيته التائهة في لجة من عبثية وعدمية واقع تدور رحاه بقسوة وتعصف بكل المحيط من حوله .. أعادت لقلبه تلك النبضات التي كادت أن تختفي منه.. كان معتقدا بأنها إحدى محطات قطار العمر المسرع.. والمتجه إلى وجهته الأخيرة كنهايات حتمية للبشر.. حيث يكون المصير المحتوم للكائنات.. خاب اعتقاده فهي منحته حبا خالصا فاق كل خيال.. حنانا لم يشهد له مثيل من أكثر من عقدين.. مرت بلمح البصر ليتكرر المشهد بأشد وقعا وعذوبة .. إحساسا زاد من تشبثه بها.. فأعلنها على الفور آخر عشقه ...
كان لهم بالمرصاد يتمطى بينهم.. يقهقه ساخرا منهما.. واثقا بحرفيته القاتلة بشكل فظيع .. يطل ببشاعته متحديا بلا خجل .. أمس تصوره بين يديه أو هكذا تمناه أن يكون .. أراد خنقه بيديه فخاف أن تخور قواه فيتملص منه.. فذهب بعيدا بأفكاره و رغبته في تفتيته بل وتفجيره رذاذا يتطاير في الفضاء.. فيستحيل عليه العودة بأشكاله المتعددة !!.. فجأة انتبه لمحاولاته اليائسة البائسة.. فقد تنبه إلى انه أصعب وأمنع بان يُقضى عليه بسهولة.. لقد كانت أمنيات مستحيلة فذاك القاتل اعجز على البشر أن ينالوا منه ؟.. أسهب في تفكيره محاولا الهروب إلى أمل يحييه .. إلى اله يلجأ إليه في أوقات الشدة.. ليعيش لحظات سعادته في أحضان الحبيب الغارق والمستغيث من كتاب معلوم حمل عنوان لا مفر منه.. تشكل اسمه من ثلاثة حروف فقط ؟.. لكنه الأكثر قهرا وجبروتا في حياة البشر ...
كان يرقبهم.. يتحين بهم الفرص.. لينقض في أي وقت بشراهته المعهودة !.. لتمزيق اتحاد قلبيهما.. وخطف نبضاتهما .. يقيم بينهم رقيبا يتمثل لهما متى شاء .. خاصة في لحظات سعادتهما وفرحهما.. يتلذذ على دموع تنهمر من مقل أتعبها البكاء فتلهب الوجنات .. يتحداهم بصلف وجبروت وقسوة.. فأصبحت من أسمائه وصفاته.. بني له عشا .. لم يكتف به.. لم يلجم نهمه حتى نشر أعشاشه بالجوار.. يريد أن يُنشأ مستوطنات الشر في كل مكان.. ليحتل باقي مساحات الجسد ليصل إلى أهدافه القذرة.. لص و قاتل من الدرجة الأولى.. يسرق النبضات الحانيات ..يقتل الفرحة والسعادة والرجاء .. لكنه فاشل يعلن انهزامه دوما بغيظ و انزعاج شديد !... لا يؤمن بالفرح فهو النقيض..لا يقر بالسعادة لأنه حامل معاول الهدم .. ما يغيظه ويؤلمه شيء ما..؟ إنها نقطة ضعفه الوحيدة والتي هزمته عبر الأبدية .. نغصت عليه وشلت قدراته المرعبة.. واكتمال صفاته القاهرة...
لم يستطع قتل الحب الصادق في قلوب وأرواح العاشقين .. فتيقن من هزيمته في انتزاع الابتسامة وسحرها.. وان كانت الأخيرة .. فضاق ذرعا .. فأعلن فشله لينتصر الحب ..
إلى اللقاء.