ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا

محمد الخليلي

[email protected]

كانت فرحة الأبوين عارمة حين علما أن ابنهما حسام قد حصل على المرتبة الأولى في الشهادة الإعدادية وانتقل إلى مرحلة الدراسة الثانوية ، كما اكتملت فرحتهما بنجاح ابنتهما الوحيدة ساجدة وحصولها على الدرجة الثالثة في أولى سني دراستها الاعدادية .

الأب : لاأستطيع وصف مشاعري ياأم حسام كم هي فرحتي كبيرة بأن منَّ المولى عز وجل علينا بنجاح باهر لحسام وجيد لساجدة .

الأم : ذلك يتطلب مضاعفة الشكر لله يازوجي العزيز .

الأب : أجل ياأم حسام .

الأم : وهل لك أن ترشدني ياحبيبي كيف السبيل لذلك ؟

الأب : ذاك موضوع سنرجئه ريثما يلتئم شملنا على مائدة الغداء عسى يفيد الأولاد من هذا الحديث .

دخل الابن والبنت المنزل بعد زيارة أولى قاما بها بمفردهما لجديهما وألقيا تحية الإسلام على الوالدين الكريمين ، فرد الأبوان وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته ، تفضلا بالجلوس .

حسام : بعد سؤالي عن صحتكما ياوالديَّ الحبيبين ، أريد أن أسألكما سؤالا  فنحن إنما قلنا السلام عليكما ولكنكما قلتما وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته ، فهل يجب أن يزيد المرء على سلام صاحبه ردا ؟

ساجدة : بدأنا بالفلسفة .

الأم : إنما يسأل أخوك سؤالا شرعيا ً .

الأب : أولا سنوطد أنفسنا في هذه العطلة الصيفية أيها الأحباب على ترك المراء وقد تكلمنا في هذا الموضوع غير مرة . أما ردي على سؤالك الأول يا حسام فأمك وأنا في غاية السعادة لنجاحكما الباهر في الامتحانات .

حسام : ولكني أفضل منها ياوالدي ولاأقبل أن تساويني بها .

الأب : كلاكما حسن .

حسام : بل أنا أحسن .

الأم : دعك من الجدال كي يجيبك أبوك على سؤالك الرئيس .

الأب : ربنا يقول في محكم التنزيل جوابا على سؤالك الثاني : ( وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا )

الجميع بصوت واحد : صدق الله العظيم

  فيردف الأب قائلاُ يابَنيَّ أريد أن ألفت انتباهكم أن الذي يورد مثالا من القرآن الكريم يستحب له أن يسرد الآية كاملة وخاصة فاصلتها ،أي لايأتي بالجزء المطلوب من الآية ويترك جزء قبلها وجزء بعدها .

وأنت عندما حييتنا بالسلام عليكم فهذا جزء من تحية الإسلام والرد الأحسن أن تقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .أما إذا حُييت بغير تحية الإسلام كأن يقول لك شخص ما : صباح الخير ، فيمكنك أن ترد عليه بمثل تحيته أو أن تردها بأحسنَ منها.

 أما إذا حياك أحد بتحية الإسلام فلا يحل لك بأن تردها بأقل منها ، وهناك حكم يتعلق بالرد على غير المسلمين فتقول لهم فقط (وعليكم) .

الأم : هل تسمح لي ياأبا حسام أن أشرح لهم سبب ذلك ؟

الأب : أجل يازوجتي ؟

الأم  : لأن أهل الكتاب من اليهود لعنهم الله كانوا يقولون لمحمد صلى الله عليه وسلم : السام عليك يامحمد ، فيرد عليهم وعليكم السام .

ساجدة : وما الفرق بين السلام والسام ياأبتِ ؟

حسام : كما الفرق بين الحياة والموت .

الأب وقد نظر إليه شذرا : لقد سألت إياي وكان عليك أن تستأذن قبل أن تجيب . ألم تر كيف استأذنت أمك مني قبل أن تتفوه بكلمة قبل قليل ؟!

ويردف مجيبا ابنته : السام هو الموت ياساجدة الحبيبة .

ساجدة وقد فغرت فاها : إذاً كانوا يتمنون له الموت .

الأب : هذه أقل مظاهر عداواتهم للحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه .

حسام : ولكن قل لي بالله عليك ياأبتِ ماهي الفاصلة في القرآن والتي ذكرتها لتوك ؟

ساجدة : كالفاصلة التي تعلمتها في الابتدائية يافهمان  ؟

كتم حسام غيظه وابتلع ريقه وادعى أنه سيعامل تدخلاتها الساذجة بحلم قائلا ً : لن أرد عليك أيتها الجاهلة .

الأب : يبدو أن الصراع محتدم بينكما إلى حد كبير ؛ لذا فلتحدثنا عن زيارة الجدين  بعد أن أجيب أختك عن سؤالها . الفاصلة ياابنتي هي نهايات الآيات ، وقد كتب عنها الأقدمون كما المحدثون دراسات معمقة ينبغي لكل دارس لكتاب الله العزيز أن يطلع عليها  ، والآن حدثنا ياحسام عن زيارة جديك .

حسام : لقد كانت فرحتهما لاتكاد توصف عندما فتحا لنا الباب فرأيانا أمامهما ، ولشد ماهالهما أنكما لم تكونا معنا فسألا بصوت واحد أين أبواكما ،

 وأردفت الجدة عساه لم يحصل مكروه لهما ؟

فقطعت لهما هذه الحيرة بقولي ألا تأذنا لنا بالدخول ؟

فقالا معا بالطبع تفضلا ، ولن هل والداكما بخير ؟

 فأجابت أختي نعم إنهما بخير وإنما جئنا أنا وأخي بمفردنا لأن والدنا يريدنا أن نبدأ الاعتماد على أنفسنا

الأب : حسنا ، أما المفاجأة التي أريد أن أخبركم بها فهي أننا سنجعل حوارنا الأسبوعي هذا يوميا طوال العطلة الصيفية لنثري معلوماتنا بما هو مفيد وجديد .

الجميع بصوت ينم عن الرضا : شكرا لك ياوالدنا الحبيب .

حسام : والآن عليك ياأمورة أن تعدي طعام الغداء كي تبدأ جِلستنا اليومية .

ساجدة : أنا لاآخذ الأوامر منك ياشاطر بل من والدي .

الأم : هيا ياساجدة إلى المطبخ فكل شيء جاهز ولا يحتاج إلا لوضعه على مائدة الغداء .

وبيمنا كانتا تنقلان ماأعدته الوالدة من مأكولات شهية ، كان الأب يأخذ على ابنه موثقا من الله ألا يتمارى مع أخته على مائدة الدرس بل وطلب منه أيضا أن يغفر لها خِطأها إن ندت عنها أية هفوة لأنه أكبر منها ويتطلب ذلك أن يكون صبورا وقدوة حسنة .

كانت رائحة المحشي التي أعدته أم حسام تزكم الأنوف وتسيل لعاب الجائعين لحد أن  حسام طلب من أمه الإسراع في جلب الطعام .  وما أن انتهيتا من تنضيد المائدة التي كانت تحفل بما لذ وطاب ، حتى تحلقوا حولها وتداعوا إلى شهي الطعام الذي أعدته أم حسام .

الأب : من لم يغسل يديه فليتذكر ، ثم فليسمَّ الله فإن كان نسي فليقل بسم الله أوله وآخره ، وليأكل بيمينه وليأكل مما يليه .

ساجدة : لم أفهم معنى الجملة الأخيرة ياوالدي الحبيب .

الأم هل تسمح لي ان أجيبها ، فأومأ الأب بنعم .

الأم : يعني أنه يجب على المرء أن يأكل من أمامه فلا تطيش يده هاهنا وهناك في الصحفة ينتقي من من كل زاوية مايريد . وقد حث الحبيب المصطفى أصحابه الكرام على عدم فعل ذلك .

حسام : وما هو موضوع الوم ياوالدي ؟

الأب : شيق جدا إن شاء الله . وهو شرح آية من سورة آل عمران .

الأم وماهي ياأبا حسام ؟

الأب : هات لنا مصحفا لتقرأها علينا مجودة ياحسام .

حسام : وكم رقمها ؟

الأب : الآية 188

حسام : إن الذين يحبون

فقاطعه الأب  يجب أن تستعيذ في بداية القراءة يابني .

حسام : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ( لاتحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم ) صدق الله العظيم

ساجدة : الآية واضحة ولاتحتاج إلى عناء كبير في تفسيرها .

حسام : فلتشرحيها لنا أيتها الزمخشرية .

ساجدة وقد أجهشت بالبكاء : أنا لاأسمح له أن يسبني ياوالديّ .

الأب : إنه لم يسبك البته ولكنه استهزء بك وهذا حرام ، أما أنت ياحسام فعليك أن تستغفر مرتين الأولى بسبب الاستهزاء والثانية أنك عاهدت الله ألا تماري أحدا ساعة الدرس . أما أنت ياساجدة فعليك ان تعلمي أن الإمام الزمخشري من أعظم من فسروا القرآن الكريم قديما وسمى تفسيره بالكشاف ، وقد كان معتزليا .

الأم ومن هم المعتزلة ؟

الأب : هم طائفة كلامية كانت تزعم أن القرآن العظيم مخلوق وقد تبنى بعض الخلفاء رحمهم الله رأيهم كالمأمون ، وقد نتج عن هذا مادعي بفتنة خلق القرآن ، ولهم أيضا مذهب فلسفي في مفهموم أسماء وصفات المولى تعالى  .

ساجدة : وهل يوجد منهم أحد الآن يابابا ؟

  الأب : أبدا فقد انقرضوا كما انقرض الخوارج وغيرهم .

الأم : والدكم أيها الأبناء سيشرح لنا قبل الشروع بشرح آية اليوم كيف يشكر المرء ربه عندما يمنّ عليه بنعمة معينة ، ونحن إذ منَّ الله عز وجل علينا بنجاحكما الباهر أصبح لزاما علينا جميعا أن نتوجه للمولى تعالى بالشكر والحمد .

حسام : إذا سيكون هناك شكران : شكرخاص بنجاحي المميز إذ كنا الأول وشكر من نوع آخر لنجاح أختي ساجدة إذ لم تكن الأولى .

ساجدة : يالله كم يفلسف أخي الأمور وكم يعقدها ، هل أنت من المعتزلة ياحسام ؟

حسام ضاحكا بقهقهة عالية  : لقد تعلمت أختي كلمة قبل قليل وتريد أن تسقطها علينا .

ساجدة : أنا لم أسقط شيئا وأحلف بالله أني لاأمسك بيدي شيئا لأسقطه ؟

حسام وقدعلا ضحكه الهستيري : أنا أقصد إسقاط معلومة ياجاهلة .

الأب : كفاكما هراء .

الأم : وما هو الإسقاط ياأبا حسام ؟

الأب : أجبها يابني .

حسام :  الإسقاط ياأماه نوعان إما أن يسقط المرء حادثة على أخرى لكي بربط بينهما كأن تكون الأولى مثالا للثانية وهذا إسقاط إيجابي ، أو أن يكون شخص ما قد فعل شيئا ما منكرا أو قاله ثم يتهم به الآخرين بإسقاطه عليهم ، وهذا هو الإسقاط السلبي . فالله تعالى يقول : ( ومن يكسب خطيئة أو إثما فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ) .

الأب : أحسنت يابني ، أما بالنسبة لشكر المولى جل في علاه على آلائه التي لاتعد ولاتحصى فمظاهره كثيرة كالصلاة والذكر والحمد وقيام الليل والصدقة وصوم النفل والتوبة والبر ولإحسان ولاتكاد تعد مظاهر شكر الله تعالى على نعمه  ، والأن اشرحي لنا الآية ياساجدة .

 ساجدة : أي إن الذين يفرحون بما حققوا من أعمال ويريدون أن يمدحهم الناس بما لم يفعلوه أصلا فلهم عذاب أليم يوم القيامة  .

الأب أحسنت ، وهل ثمة إضافة عندك ياحسام ؟

حسام : أجل فالآية تتكلم عمن يأتون بالحسنات فيفرحون بها إعجابا ولا يتوقفون عند ذلك بل يريدون أن يمدحهم الناس بما لم يفعلوه أصلا فهؤلاء لهم عذاب أليم يوم القيامة .

الأب : لافض فوك يابني ، هذا فيما يتعلق بعموم اللفظ  فهل ثمة شخص يمكنه أن يحدثنا عن خصوص السبب ؟

ساجدة : وما معنى المصطلح الذي ذكرت ياوالدي ؟

الأب : أي أن بعض الآيات القرآنية تنزل في حادثة معينة لتعالجها هذا يسمى خصوص السبب ، وكثيرا ما يمكن سحب المعنى على أمور عدة غير السبب المخصوص الذي من أجله نزلت الآية الكريمة ،وهذا مانعبر عنه بعموم المعنى .

الأم : هل لي أن أعلق على الآية آنفة الذكر فيما يتعلق بخصوص لفظها ؟

الأب : بكل سرور ياأم حسام .

الأم : روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل أهل الكتاب عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره ثم استحمدوا الناس على كتمانهم الرسول ماسألهم وقد فرحوا بكتمانهم الرسول صلى الله عليه وسلم .

 الأب : بارك الله فيك يازوجتي ، والآن هل من مضيف ؟

ساجدة  : إذ لم يضف أحد : أضف لنا ياأبتي رحمك الله .

الأب : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نزلت هذه الآية في أهل الكتاب أنزل الله عليهم الكتاب فحكموا بغير ماأنزل الله وحرفوا الكلم من بعد مواضعه وفرحوا بذلك وأحبوا أن يُحمدوا بما لم يفعلوا من صيام وصلاة ونحو ذلك .

ساجدة :  لقد قلت ياأبي حرفوا الكلم من بعد مواضعه ، فما الفرق بين هذا اللفظ واللفظ الآخر الذي حفظناه في المدرسة في قوله تعالى يحرفون الكلم عن مواضعه ؟

الأب : أولا أريدكم أن تأجلوا الأسئلة دائما للنهاية ، ثانيا فأنا لاأعلم الفرق بينهما ، ولا بد لي من أن أطلع على المراجع المختصة في ذلك .

ساجدة مستغربة وقد فغرت فاها : كنت أظنك أنك تعرف كل شيء عن القرآن .

الأم : ياساجدة لاأحد يعلم كل شيء ، وإذا قال لك أحد ما لاأعلم فهذا نصف الجواب ، ولايجوز لأحد أن يفتي بما لم يعلم لقوله تعالى ( ولا تقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) .

الأب : سئل الإمام مالك رحمه الله عن أربعين مسالة فأجاب عن أربع وقال عن الباقي لاأعلم  .

ساجدة : وهل ثمة إضافة على تفسير هذه الآية ياأبتي ؟

الأب : أجل فقد وقعت في تفسير الألوسي على تفسير آخر أحب أن أنقله لكم .

الأم : تفضل ياأبا حسام .

الأب : أخرج الشيخان والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري أن جماعة من المنافقين كانوا إذا خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلافه فإذا قدم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا كاذبين وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا .

وقيل أيضا أنها في المنافقين كافة إذ إنهم يبطنون الكفر وقلوبهم مطمئنة به ويفرحون بإظهار الإيمان الكاذب ويستحمدون إلى المسلمين على إيمانهم الكاذب ويظهرون محبة المؤمنين وهم في الغاية القاصية من عداوتهم . وأريد أن أقول لكم إن هذا الرأي وإن كنت من مؤيديه لكن كثيرا من العلماء لم يلق قبولا عندهم .

حسام : ومن هو الألوسي ياأبي ؟

الأب : هو ياولدي مفتي بغداد العلامة أبو الفضل محمود الألوسي البغدادي المتوفى سنة 1270 هجرية واسم تفسيره روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني .

الأم : ولماذا خص السبع المثاني في عنوان تفسيره ؟

الأب : لم أعثر على تفسير عني بها كتفسيره إذ خصص له مجلدا كاملا وأعطاها ماتستحق من الشرح والتفصيل .

ساجدة : وما السبع المثاني  ؟

الأب : أجبها ياحسام .

حسام : سورة الفاتحة ، ولن لماذا سميت كذلك ؟

الأب : لأن عدد آيها سبع ، وسميت بالمثاني لآنها تكرر في كل ركعة من الصلاة ولا تصح الصلاة إلا بها على اتفاق المذاهب .

والألوسي بعد ان أتم تفسيره هذا حمله إلى الخليفة العثماني على بعير وأهداه إياه فكافأه الخليفة العثماني على تفسيره العظيم  .

حسام وقد تملكته الدهشة : أي خليفة هذا الذي تتكلم عنه ياأبي ؟ فقد درسنا في كتب التاريخ المدرسية أن العثمانيين كانوا مستعمرين .

الأب : هدىء من روعك ياولدي فليس كل ماتدرسونه في المدارس صحيحا ، فالخليفة العثماني محمد الفانح قد فتح القسطنطينية التي استعصت على المسلمين قرونا عديدة ، ثم جاء بعده من جاء من الخلفاء العثمانيين ففتحوا جنوب أوربا ، وكل المسلمين الذين تراهم في بلاد البلقان هم ممن اعتنق الإسلام بعد الفتوحات العثمانية ، ولولا حروب العثمانيين مع الصفويين لفتحوا كل أوربا .

ساجدة : ومن هم الصفويون ؟

الأب : هم الفرس الذين اعتنقوا الإسلام وأبطنوا غير ذلك .

حسام : أفهم من ذلك أن كتبنا المدرسية فيها الكثير من تزوير الحقائق التاريخية .

الأب : أجل لأن كثيرا ممن يكتبونها لايحبون العروبة والإسلام .

الأم : ولكنني أعرف أن بعض الخلفاء العثمانيين كانت لهم مفاسد معينة .

الأب : أنا لاأنفي ذلك فحكمهم الذي امتد قرابة أربعمئة عام لابد أن تشوبه بعض الشوائب ، ويكفي أن السلطان عبد الحميد الثاني لم يوافق على بيع شبر من  فلسطين حين جاءه وفد من يهود العالم لعنهم الله وعرضوا عليه وفاء ديون الدولة العثمانية مقابل أن يكتب لهم صكا في جزء من أرض فلسطين فرفض وطردهم من مجلسه وقال لهم قولته التي سجلها التاريخ : إن أرض فلسطين وقف إسلامي فهاتوا لي توقيع كل المسلمين على ذلك حتى أعطيكم فلسطين كلها .

حسام : رحم الله هذا الخليفة العثماني الذي لم يفرط بشبر من أرض فلسطين السليبة ونحن قد فرطنا بها من البحر إلى النهر .

الأم : نحن معتادون أن تسقط لنا الآية التي تفسرها على الواقع بقصص من الحياة العملية فهلا قصصت علينا شيئا منها .

الأب حسنا ، ولكني أريد ان أستأذنكم وأعود إليكم بعد قليل .

حسام : ماذا تتوقيعن ياساجدة أن تكون القصة اليوم ؟

ساجدة : أبي لايحدثنا إلا بالصحيح فلا يكذب في قصصه ولا يحكي لنا قصصا خيالية .

الأم : هذا عهدي به ياابنتي فأنا لم أجرب عليه كذبا منذ أن تزوجته قبل أقل من عشرين عاما .

حسام : هذا شيء عظيم وصعب في آن واحد ألا يكذب المرء البتة .

الأم : هذا صعب لمن اعتاد الكذب والعياذ بالله ، وسهل لمن سهله الله عليه ، فمن اعتاد على الصدق لايكذب ولوكلفه ذلك حياته .

ساجدة : نعم فقد كان العرب يسمون النبي محمدا بالصادق الأمين قبل البعثة ، وعندما أراد أن يبلغهم بالدعوة وسألهم أأنتم مصدقيَّ إن أخبرتكم أن خيلا وراء هذا الجبل تريد أن تغير علكم ؟ قالوا بصوت رجل واحد : ماجربنا عليك كذبا قط  .

حسام : إذا كان أعداؤه من بني جلدته قد شهدوا بمحض صدقه  ،والفضل ماشهدت به الأعداء كما يقول الشاعر ، فيف يتجرأ البعض ممن يتسمون بالمسلمين  على تكذيبه .

الأم : هؤلاء ليسوا بمسلمين يابني ولو كانت أسماؤهم أسماء إسلامية ، ولو كانوا مسجلين في قيود المسلمين في دوائر الأحوا ل المدنية ، فالعبرة في الإسلام أن تكون مصدقا لما جاءك به الحبيبب المصطفى من خبر السما ء، ولو أنكرت شيئا مما عُرف من الدين بالضرورة لخرجت من ربقة الإسلام .

ساجدة : وما بال الذين يسخرون ببعض سنن الرسول صلى الله عليه وسلم كالسواك يأماه .

الأم :  هذا كفر والعياذ بالله لأن ذلك من أفعال المنافقين وقد وبخهم الله تعالى في سورة التوبة بقوله عز وجل :

( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ؟! ) .

حسام : أنا اعلم أن آخر فعل فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم كان السواك ، فقد رآى سواكا في يد عبد الرحمن ابن أبي بكر رضي الله عنهما فأومأ إليه يريده فقد كان لشدة مرضه لايطيق حراكا ولا كلاما     فأخذته منه أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها ونظفته له ثم جعلت تدلك له به أسنانه الشريفة بأشد ماأوتيت به من قوة .

الأم : وقد اغرورقت عيناها بالدموع : ماكان هذا إلا ليؤكد لنا على التمسك بأبسط سنة من سننه الشريفة فضلا عن الفرائض والواجبات . بأبي أنا وأمي يارسول الله فقد كانت تلك اللحظات الأخيرة التي عشتها في هذه الدنيا الفانية وأنت تعلمنا وترشدنا حتى آخر نفس من أنفاسك الطاهرة ، نشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وتركتها على المجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك فصلوات ربي وسلامه عليك ونرجو من الله تعالى أن يجمعنا بك في مستقر رحمته وأن تسقينا من حوضك الشريف شربة هنيئة لانظمأ بعدها أبدا يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

الأب وقد عاد من فرصته : أرجو ألا أكون قد تاخرت عليكم .

حسام : أبدا ولكن ماالصلاة التي صليتها وقد أدينا المفروضة ؟

الأب : هذه سنة الوضوء يابني .

ساجدة : ولماذا تقولون رضي الله عنهما عندما تذكرون ابن عباس وهو رجل واحد ؟

الأب : أجبها ياحسام .

حسام : لأننا نطلب من الله أن يرضى عنه وعن أبيه العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم .

ساجدة : وإذا لم يكن أبوه مسلما كأبي عبيدة بن الجراح ؟

حسام : نقول رضي الله عنه فحسب .

الأب : القصص التي أريد اليوم أن أقصها عليكم عامة ومنتشرة بين الناس كثيرا وتنطبق عليهم الآية الكريمة التي نحن بصدد تفسيرها .

حسام : الناس تقصد من المسلمين ياأبتي ؟!

الأب : نعم من المسلمين .

حسام : ولكنهم إذا منافقون.

الأب ضحك وقد بدت نواجذه : لاتستعجل في الحكم على الناس يابني .

حسام : ألم تقل إن أحد الروايات أسقطت هذه الأفعال على المنافقين ؟

الأب : أجل يابني من يفعل ذلك تكن فيه خصلة من النفاق ، فنحن لانسمي الكاذب منافقا وإن عُدَّ الكذب من الكبائر ، وقد فصل الحديث ذلك حين قال أربع من كن فيه كان منافقا خاصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ، وذكر منها إذا حدَّث كذب  ...إلى آخر الحديث .

كثير من المسلمين يقع في مثل هذه الأخطاء ياأولادي فالقرآن الكريم إنما جاء ليهذب النفوس ،والمسلم إذا وقع في مثلها فلا يُعد منافقا ولكن عليه أن يدعها . فبعض المسلمين يفرحون بما يفعلوه من الحسنات إما فرح إعلام وهذا مكروه أو فرح رياء وسمعة وهذا منهي عنه ومحبط للعمل أيضا . لذلك حض الرسول الكريم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله وذكر منهم : ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ماتنفق يمينه .

وصنف آخر من المسلمين يودون أن يمدحهم الناس بما لم يفعله أصلا ، وأسوق على ذلك مثالا لكم للتوضيح : شخص ما أعرفه إذاسألته عن أي موضوع يجيبك ولو لم يكن يعرف الإجابة  فقط لكي يقول الناس عنه إنه عالم ، وفي هذا نهي من الحبيب المصطفى من جهتين ، فهو القائل : ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ماسمع ) وأيضا ( أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار )  وثالث ( من كذب عليَ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) والأحاديث في هذا المضمار أكثر من أن تعد  .

حسام : هل تقصد الفتوى في الأمور الدينية فحسب ؟

الأب : بل في كل الأمور ، فإذا أفتى المرء في أمر طبي كأن يصف دواء وهو غير كفؤ لذلك فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا .

حسام : أفهم من ذلك أن الذي يفتي بغير علم في أي شيء إنما يوهم الناس بعلمه وهو جاهل بذلك بغية أن يثني الناس عليه .

الأب : أجل يابني فهذا لن يفوت من عذاب الله  وله عذاب أليم ، صدق الله العظيم .

ساجدة : القصص اليوم غير مشوقة ، وإنك ياأبتي لم تذكر اسم الشخص الذي تعرفه ويعمل مثل هذه الأعمال القبيحة .

الأب : أولا لايجوز أن نذكر شخصا بعينه ، لأن تلك تعد غيبة وهي من الكبائر ، وهدي المصطفى في ذلك أنه كان يقول : مابال أقوام يفعلون كذا ويقولون كذا ولا يذكرهم بالاسم لأنه مرب وليس قاضيا . أما عن التشويق القصصي  فأنا لم أسرد اليوم عليكم قصصا وإنما سقت أمثلة لأشرح لكم الآية الكريمة من سورة آل عمران .

ساجدة  : وهل ستجيبني ياأبي عن السؤال الذي قلت لاأعرف له إحابة ؟

حسام وقد علت نبرة صوته  كيف سيجيبك عليه وهو لايعرف الإجابة ؟ أتريدين أن تنطبق عليه صفات المنافقين من آية سورة آل عمران ؟

الأب : على رسلك يابني  ، فبعد أن توضأتُ عرَّجت على المكتبة وأتيتكم بالإجابة ليس من عندي ولكن مما أفادنا به العلماء .

الأم : أتحفنا بها ياأفضل زوج عرفت . 

الأب : جزاك الله خيرا ، وجمعني بك في جنة النعيم .

ساجدة : ادع الله أن أكون معكما ياأبي ,

الأب : اللهم احشر ولدينا معنا في زمرة عباده الصالحين .

ساجدة : أخي لم يطلب منك فلماذا حشرته في المسألة ؟

الأب ضاحكا : الله أكرم مني ومنك ياساجدة .

ساجدة : لكني لا أريده قريبا مني .

الأب :هذه الضغائن ستزول يوم القيامة ياابنتي .

أما فيما يتعلق بالسؤال الذي أخرتُ حتى أعلم ماأفتى فيه المفسرون ، فالفرق ياساجدة -والكلام للجميع- بين قوله تعالى في وصف بني إسرائيل لعنهم الله مرة( يحرفون الكلم عن مواضعه) وتارة )من بعد مواضعه) ، المعنى واحد ياصغيرتي ولكن إضافة كلمة بعد هنا هي للمبالغة في تقريع بني إسرئبيل وتشنيع فعلتهم لأنهم أنزلوا الكلم منزلة هي أدنى مما وضعت فيه ، والله أعلم .

ساجدة : جزاك الله ألف ألف خير يازمخشرينا الحبييب .

حسام : الحمد لله  إذ لم تعد تفهم كلمة الزمخشري على أنها إهانة .

ساجدة : لن أرد عليك ، وسأترك المراء احتسابا للأجر عند الله .

الأم : أحسنت فعلا ياحبيبتي ، والآن هل لك أن تدعو لنا فنأمن وراءك يازوجي .

الأب : الحمد لله

والصلاة  والسلام على رسولة الله

اللهم اهدنا فيمن هديت

وعافنا فيمن عافيت

وتولنا فيمن توليت

وبارك لنا فيما أعطيت

وقنا شر ما قضيت

اللهم لاتجعلنا ممن يفرحون بما أتوا

واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم

اللهم طهر ألسنتنا من الكذب

وأعيينا من الخيانة

وقلوبنا من الرياء والسمعة والنفاق

اللهم لاتجعلنا ممن يحبون ن يُحمدوا بما لم يفعلوا

واجعلنا بمفازة من عذاب الأليم

 إن عذابك الجد بأولئك ملحق

وصل اللهم على محمد في الأولين

وصل عليه في الآخرين

وصل عليه في الملأ الأعلى إلى يوم الدين

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

سبحان ربك رب العزة عما يصفون

وسلام على المرسلين

آمين  آمين

واحمد لله رب العالمين