صاروخ وغراب

صاروخ وغراب

إيمان شراب

[email protected]

طلب منه أبناؤه الخروج ، فاعتذر منهم وتعلل بالتعب . رضخ الصغار للأمر ، وجلس هو في زاوية من زوايا المنزل ينصت إلى أوجاعه وآلامه : تؤلمه أفكاره ، وتؤلمه مشاكله ، ويؤلمه عجزه وقلة حيلته ....

 انتبه على صاروخ سقط إلى جواره ، رأى بعده الصغيرين يضحكان وهما يجريان للاختباء .

أمسك الصاروخ الورقي المصنّع يدويا بواسطة صغاره ، قلّبه يمينا ويسارا ، ابتسم رغم الألم، وأعاد رميه في اتجاه أولاده .

ظل الصغار يلعبون ويجرون ، تأملهم وقال في نفسه : سبحان الله !  ياويلتا أعجزت أن أكون مثل هؤلاء الأطفال ؟ لقد صنعوا سعادة بأنفسهم وتغلبوا على سجنهم الذي فرضته عليهم -دون ذنب أذنبوه- ، ولعبوا بالبسيط المتاح .

نعم هذا هو ما أفتقده ، أن أسعد بالمتاح ، أن أجعل من القليل متعة وسعادة تغنينا عن الكثير الذي أغرقنا في الهموم والمشاكل !

لماذا أضع أبنائي في مدارس أهلية ، وأرهق نفسي بمصاريفها ؟

لماذا السفر الذي يسعدنا أياما ، ولكنه يتعسنا سنوات تالية - لما نعانيه من آثاره المدمرة لاقتصادنا -؟!

لماذا الملابس الغالية الثمن ؟

لماذا القهوة نشربها في المقهى ؟ ما بالها قهوة المنزل ؟

لماذا الأكل في المطعم – ولو ندر -؟

لماذا شراء الأكل الجاهز؟

كله ليس ضرورة ، بل هو ترف فوق طاقتي ، ومظاهر تجلب لي الحسد وأنا لا أملك شيئا !

فجأة ! وقف في نشاط وقال يحدث نفسه :

صاروخكم أبنائي كغراب قابيل وهابيل ، صاروخكم أتى ليعلمني أنني إنسان فوضوي  ، وأعيش دون خطط ، ومشاريعي وميزانياتي تتحطم دائما على أعتاب مصاريف تفوق إمكانياتي ، فغرقت وأغرقتكم ووالدتكم في وحل الديون وما جلبته من هموم وأحزان .

 سعادتنا بأيدينا ، سعادتنا بقرار منا، وقد أخذته . سأتخلص من شعاري القديم: "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب "! لأنني لا أعرف ما ذا في الغيب .

وسأتخلص من : " هين قرشك قبل أن يهينك " ! أهنته ولكنه الآن هو من يهين ويذل !

تأخرت عشرين سنة حتى وعيت الدرس ! ما أغباني !

مر بجواره صاروخ كبير هذه المرة ، أمسكه وقال : وهذا درس آخر ، صنعوه من ورق سبق استعماله .

هاتوا صواريخكم ألصقها على الحائط أمامي حتى لا أنسى أننا نحن من يصنع التعاسة وبثمن غال ، ونحن أيضا من يصنع السعادة وبأبسط الأثمان .