فزت ورب الكعبة
|
فزت ورب الكعبةبقلم : محمد الخليلي |
بدأ أبو أحمد يعيد شرط الذكريات في مخيلته فقد نام كل من في الزنزانة وبقي وحيدا مع ذكرياته يجترها.أول الشريط كان يذكره بيوم اعتقاله ساعة جاءت الدورية لاعتقال ابنه ولأنهم لم يجدوه إذ كان متواريا فقد اقتادوا الأب رهينة ريثما يسلم الابن نفسه للسلطات.
مضى على ذلك ثلاث سنوات ولم يسلم أحمد نفسه وأبوه يود
لو بقي في السجن مئة عام ويبقى ابنه سالماً من أذى الجهات الأمنية لما رآه وسمع به من أساليب التعذيب التي يستعملونها مع السجناء . على أية حال ورغم عدم تواتر الأخبار فقد أصبح عنده شبه يقين أن أحمد استشهد في أحد المواجهات عندما داهمت السلطات الأمنية مخبأه لاعتقاله ودار اشتباك طويل أسفر عن استشهاد أحمد واثنين من المجاهد ين واعتقال اثنين وجرح ثالث وهروب ثلاثة آخرين.
كان أبو أحمد أمياً لا يجيد القراءة والكتابة ولكنه خلال تواجده في السجن تعلم القراءة وشيئا من الكتابة وحفظ عدة أجزاء من القرآن لأن اللذين كانوا معه في السجن معظمهم من الأطباء والمهندسين والمدرسين ،أي أن معظمهم كان من الطبقة المثقفة.
كانت مواكب الشهداء تترى كل يوم ،إذ لا يكاد يمر أسبوع إلا و تعدم فيه كوكبة من خيرة شباب البلد قربانا للطاغية الأعظم.كان معظم الشباب اللذين ينادى على أسمائهم يتوقعون الشهادة في أي لحظة . ولكن في نفس الوقت كان هناك من يضعف ساعة النداء على اسمه للإعدام :فمنهم من كان يبكي وآخر يصاب بانهيار عصبي وثالث يُجر إلى المقصلة كالخروف اللذي يسحب للذبح .كان العم أبو أحمد يشجعهم ويهدأ من روعهم ويبعث فيهم الحمية والحماس بل كان يقول لهم ممازحا ياليتني كنت أحدكم. وأكثر ما كان يحز في نفس أبي أحمد أولئك النفر من الشباب اللذين لم يبلغوا العشرين من العمر،أضف إلى ذلك أن أحكام الإعدام التي كانت تنفذ كانت تتم دون محاكمات ،لذا كان يفاجأ بها المطلوبون للإعدام ،اللهم سوى نفر من اللذين كانوا يطلبون الشهادة ويتمنونها ،والعم أبو أحمد كان على رأسهم في هذا المطلب.
لم ينم أبو أحمد ليلته تلك بل قضاها في قيام الليل خلسة وقراءة ما حفظ من آي الله في السجن . كان الجو بارداً ولكن أبا أحمد كان يشعر بحرارة تمور في جسمه. ولأنهم لايعرفون الليل من النهار فقد كانوا يقدرون أوقات الصلوات تقديراً.ولذلك قدر أبو أحمد قرب طلوع الفجر فدس يده في جيبه وأخرج كسرة خبز كان اقتطعها من عشائه ليتسحر بها .وجلس ينتظر دخول الفجر لكي يصلي .
وفجأة فُتح باب الزنزانة ودخل رجل عريض المنكبين غليظ الشفتين والشاربين وصاح بأعلى صوته أين الكلب حمدو النجار ؟ هب أبو أحمد واقفا وقا ل أنا هنا ياسيدي .فقال له : هيا أمامي ياابن..... قال أبو احمد :إلى أين ؟ قال إلى الإعدام ياحمار. قفز أبو أحمد قفزة في الهواء كاد رأسه بها يلامس السقف وهو يصيح :فزت ورب الكعبة .. فزت ورب الكعبة.
قام أبو أحمد إلى رفاق السجن يعانقهم مودعا ودموعه تَرْفَضَُّ غزيرة على وجنتيه وهو يقول لهم :اليوم أفطر مع الحبيب محمد ،اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه.
لم يتمالك الجميع إلا أن يضجوا في بكاء ونحيب ، حتى ذا الشاربين الغليظين شوهدت تفلت منه دمعة،لكنه سرعان ماأخفاها لأنها قد تكلفه إعداماً .
ومع طلوع نور الغزالة سُمعت ثلاثة طلقات ومع كل طلقة سُمع دوي هائل يجلجل في ا لفضاء مرددا :الله أكبر.
عمان في 1/9/2004