شفق أحمر على الأفق القريب

شفق أحمر على الأفق القريب

بقلم : نعيم الغول

تمرغ بضوء الشمس الدافئ . وتخللت زرقة السماء الصافية أجواء عقله فأحس بالامتنان لأن الأشياء تحيطه بحنانها وجمالها. ودلف بأمل إلى البيت الذي أشاروا عليه بالقدوم إليه. فوجئ حين لم يجد أبوابا داخله . البيت مجرد جدران صماء وممرات خالية وأصوات تهاجم سمعه من الداخل تحمل ضحكات وقرقرة أراجيل ونساء تتأوه وطقطقات لوحات مفاتيح حواسيب  تختلط بأصوات أسرّة تئن

سار في الممرات ساعات حتى تعب. نقلت إليه الساعة على معصمه أن العصر قد أزف. انتظر أن يسمع صوت الأذان .. انتظر ولكنه لم يسمعه. تذكر أن المساجد لم تعد موجودة في تلك المدينة.

طرق على الجدران فعم الصمت دفعة واحدة.

فجأة ارتفع جدار حتى ارتطم بالسقف، والتصق به ، ولاح من الفتحة التي خلفها حفنة رجال ونساء . حفنة كبيرة قد يحتاج إلى قفص كبير ليضعهم فيه لو كان مروض بشر. قيام ونيام ويعملون ويضحكون ويرقصون ويتمايلون .

جاء إليه شخص وقال:" مرحبا . أنا كبيرهم الذي علمهم السحر. "محسوبك" هاروت.  ماذا تريد؟"

-"أن أقيم معكم."

- " أحذرك. نحن فتنة فلا تكفر."

جاءت امرأة تتقصع. ضربت هاروت على قفاه . قالت"

-" فتنة "مين والناس نايمين". نعم يا حبيبي ماذا تريد؟"

-         أن أقيم هنا"

-          ما مؤهلاتك؟

-         " مؤهلاتي ؟ معي أجرة المبيت والإقامة."

-          مؤهلاتك يا محترم هي " نفسك طويل" .. المهم الطول عندي .. الطول في كل شيء."

-          " أنا لم آت للعمل .. جئت للمبيت . وقد وصفتم لي العنوان هنا."

-         " آه أنت تبحث عن فندق. ابحث حولنا . قد تجده."

خرج وغمغمة تركب لسانه :" بل مكان أقيم فيه."

دخل المنزل المجاور. بعد أن ارتفع الجدار فيه وارتطم بالسقف، وبعد أن جاء إليه شخص  وعرف نفسه بأنه ماروت ابن عم هاروت أو أخوه لا يذكر،  وبعد أن رأى  ماروت يتلقى صفعة على قفاه من امرأة تتقصع ، خرج إلى البيت المجاور ثم إلى البيت الذي يليه فالذي يليه. دخل كل البيوت وخرج والصفعات على قفا هاروت وماروت ترن في أذنيه.

لا يدري إن كانت رجلاه قادتاه أم دفعته أيد  رائحتها تشبه رائحة جوارب متعفنة زُرِعَت في ظهره .. لكن ما كان يقينا هو انه الآن خارج المدينة.. فتمرغ بما تبقى من ضوء الشمس. وشفت ثنايا روحه سماء زرقاء صافية موشاة بخطوط حمراء  وقحة تزداد عرضا والتصاقا بالأفق البعيد الذي بدا قريبا اكثر من أي وقت مضى.