قلوب الحجارة
إيمان شراب
جلست على حجر ، أرقب حجرا ، عن يميني حجر ، وعن يساري حجر، وامتلأت لوحتي بحجارة رسمتها ريشتي .
سألني أستاذي : ماذا ترسم ؟
قلت : حجارة !
قال : أرى ! ولكنني طلبت منكم أن ترسموا رمزا من رموز الحنان في عصرنا!
فأين الحنان في الحجر ؟
الحجر يابني قسوة وشدة وخشونة وغلظة وصحراء وصخور وجبال ... وكلها معان ضد الحنان !
قلت : يا أستاذي !
ألم يتفجر الحجر لتخرج منه عيون وأنهار تسقي الإنسان والحيوان والنبات ؟
أليس اهتز الجبل وانهار بحجارته خشوعا وهيبة لجلال الله ، وعبودية ؟
ألم تخرج ناقة سيدنا صالح – عليه السلام –هذه المعجزة العظيمة ، من بين الأحجار ؟
أليست تحن ّعلينا فتحتضننا وتظللنا وتحمينا الحر والقر ؟ !
أم أنك نسيت الحجارة التي تضامنت مع المجاهدين فتحمّلت ضرب أقدامهم فوقها ، وسترت عليهم وأخفتهم خلفها ؟
ألم تكن الحجارة أسلحة في أيدي الأطفال الأبطال ، فأخافت اليهود وأقلقت نومهم وراحتهم ؟!
أما هذا الحجر يا أستاذي! فهو الرحمة بعينها ، فقد كان مقعدا ومسندا لأم حسن ، ارتاحت فوقه وجلست ترضع صغيرها عندما هربت سيرا على الأقدام من حيفا إلى لبنان عام الثمانية والأربعين ، وحدها ! وحدها مع صغيرها!!
ثم تأمل هذا الحجر – بالله عليك – وأخبرني ،كيف تراه ؟
ابتسم أستاذي وقال : أنت الآن من يرى يا بني !
قلت : كيف ؟! ألا تراه بطلا ؟ ألا تراه ذلك الجندي الذي سيكون في صف جيش المسلمين ، ومهمته أن يخبر عن يهودي جبان خلفه .
إنني اليوم يا سيدي غاضب وحانق ، ولا أرى في عالمنا المسلم رمزا للحنان!
واحد وستون عاما ، والفلسطينيون محتلون أو مهجرون يعانون ما يعانون من عدوهم ومن أخيهم وصديقهم وقريبهم !
هل تأملت الصور المعروضة في ذكرى النكبة ؟ كانت بالأبيض والأسود ، وأصبحت بالألوان ، لعل قلوبا تهتز فتتحرك ! !
إن حجارتي هذه اهتزت يا أستاذي ، لذلك سأرسم لها قلوبا ، وسأجعلها تنبت أزهارا يفوح عطرها مؤنسا ....و
ابتسم أستاذي وربت على كتفي وقال : أكمل لوحتك .