متفرجون
متفرجون
نعيم الغول
كان الظلام يلف صالة المسرح ،وكان الضوء كله مسلطاً على الخشبة ، ونظر السيد جواد حوله بانزعاج وقال لزوجته:
-" لا أدري لماذا أصر ابنك على مجيئنا إلى هنا؟!"
ردت زوجته وهي تتثاءب:
- "قال بأنها مسرحية تعني الجميع ."
- "وما شأننا بهذا الهراء، طفل يصرخ بكل من يراه: أريد أبي.. أين أبي… لقد هدموا بيتنا."
- "معك حق، كان يجب أن أذهب لحفلة السيدة دينا، قالت لي بأنها اشترت فستان سهرة سيكون مفاجأة الموسم."
- "كان يجب أن أبقى في المكتب لأعرف سعر الدولار مقابل الين و المارك ، يقولون إنه هبط و الإسترليني ارتفع!"
-" ابنتها جميلة جداً لكن مناخيرها و صلت الى درب التبانة!"
أخرجت سيجارة و أشعلتها و ألقت علبة السجائر بعصبية داخل حقيبتها و استطردت :
- "أنا أكره هذا النوع من النساء، ولا أظن أنني سأسمح لابني ان يتزوج بواحدة مثلها."
على الخشبة كان الطفل يرتدي ثياباً رثة ويتعلق بثوب امرأة ويقول لها:
-" هل رأيت أبي؟!"
- "أبوك؟! ألا تعرف أين أبوك؟"
- "جاء جنود ومعهم بنادق… وسال دم أبي.. أين أبي.. ضربوني وهدموا بيتنا!"
نظر السيد جواد إلى الطفل ثم أشاح بوجهه بنفاد صبر وقال:
- "أجل، القيود كثيرة، لو أنهم فقط يسمحون للتجار بالاستيراد تبعاً لحركة السوق.. بالطبع سيصبح كل شيء رخيصاً والجميع سيستفيدون."
فقالت زوجته: "كلا لا أظنني سأسمح له بذلك. إنها مثل طاووسة في حديقة ملأى بزوار بلهاء و حمقى ." سحبت نفسا عميقا ثم سعلت بعنف :
-"أنا لا أطيقها أبداً."
همس السيد زواج : " انتبهي لصحتك يا عزيزتي .. المستشفيات هنا مستواها سيء .. و العملة الأجنبية شحيحة .. فلا مجال للسفر للعلاج "
قالت باحتجاج : " جواد ، أتستكثر علي بضعة آلاف .. و تتركني أموت ؟!"
قال مستدركا : " أنا امزح فقطز "
قال متفرج كان إلى جانب السيد جواد هامساً:
- "لو سمحت أيها السيد، نريد ان نسمع ما يجري على المسرح."
صرخ السيد جواد باستنكار:
- "ماذا قلت؟"
- "أقول بأن بإمكانك ان تتحدث في أمورك الخاصة في البيت."
-"هل تعلمني أين يمكن أن أتحدث؟"
- "من حقي أن أطلب منك السكوت هنا. من حقي ان اسمع ما يقال على المسرح !"
هز السيد جواد رأسه وقال:" حسناً، سنرى حقك هذا!"
ونهض عن كرسيه وخرج، ولكنه عاد بعد قليل ومعه شرطي وقال:
- "هذا هو الرجل."
قال الشرطي للرجل:" تعال معي لو سمحت."
رد الرجل بدهشة:
"إلى أين؟"
فقال الشرطي: "لا تضع الوقت… ستعرف كل شيء فيما بعد."
صرخ الرجل باحتجاج:" ولكن المسرحية… من حقي أن-"
فقاطعه الشرطي بأن جره من "ياقة" قميصه ومضى به خارجاً.
جلس اليد جواد على كرسيه بارتياح ورد على نظرات زوجته المتسائلة قائلا:
-" قلت للشرطي أنه تحرش بك." و هز رأسه ساخرا و قال : جماعة "من حقي" !"
كان الابن إلى جانب أمه فاقترب من أبيه وهمس:
- "ما الذي فعلته يا أبي؟ نحن هنا لنشاهد المسرحية… لننفعل مع أحداثها ونخرج ولدينا موقف إيجابي منها و مما تطرح من قضايا، هذا هو المفروض- أرجوك يا أبي – الجميع هنا جاءوا ليشاهدوا ويستمعوا ويقولوا رأيهم، أقول ذلك لأنني اعي أن الأمر يعنينا جميعاً."
رد السيد جواد بسخرية بعد أن نظر حوله إلى المتفرجين:
- "الجميع؟"
- "أجل الجميع."
قالت الزوجة: "مهما يكن الوضع… لن تتزوج من تلك المغرورة."
فرد الابن بغيظ: "أمي، ليس هنا وقت هذا الحديث… ثم إنني لن أتزوج أبداً- لدي أشياء أهم."
كان السيد جواد لا يزال يلتفت يمينا و شمالا . قال:
- "الجميع؟ حسناً، انظر حولك."
نظر الابن حوله ورأى من خلال الضوء المنعكس على الجمهور أن الجمهور انقسم إلى مجموعات تتحدث جانبياً، فنهض عن كرسيه كالملدوغ، وقفز إلى الخشبة، ولاحظ ان شابين آخرين قفزا إلى جانبه وحين خرج صوته لاحظ ان صوتين آخرين خرجا أيضاً مع صوته، ولاحظ بدهشة أن ما يقوله يقولانه في اللحظة نفسها ودون اتفاق:" أيها الناس… أيها الجمهور أيها المثقفون نحن هنا لـ"
- قاطعهم الجمهور بصراخ: "اخرسوا… انزلوا.. لم يطلب أحد منكم أن تتكلموا-"
-"هذه مهزلة.. اذهبوا إلى الجحيم."
- "الشرطة … أين الشرطة."
نهض السيد جواد وقال: "أنا سأطلب الشرطة"
قالت الزوجة بضيق:" لماذا؟ وابننا؟!"
فرد السيد جواد:" لا أحب أن أراه في مثل هذا الموقف"
قالت الزوجة: "وماذا ستقول للشرطي هذه المرة؟!"