ثلاث قصص قصيرة

ماجد سليمان

[email protected]

(1)

حكم بالإعدام..

الزنازين.. غرف الأحياء الأموات، أحس بأجفاني ثقيلة لا أستطيع رفعها عن عيني.. صوت أقدام تصل إلى باب الزنزانة.. صوت الباب الحديدي ذو الأعمدة الأنبوبية الشكل التي أكلها الصدأ يرتطم بالجدار المطلي بالدهان الأسود من الداخل ليحدث ارتطامه دوياً أفزع بعض السجناء النائمين.

وَقعُ الأقدام يقترب مني أريد أن أرفع رأسي فلا أستطيع، أجفاني أحس أنها مخاطه.. يقترب الصوت، ينخفض الجسد الذي تحمله القدمين.. شفاه تدفع أثناء حديثها لي أنفاساً أحرقت شحمة أذني وهي تهمس بهدوء:

حكموا عليك بالإعدام!

يولد النور من رحم الصباح وفي ساحة القصاص.. جمهورٌ من المتفرجين والمتطفلين.. أقف أمام سياف ضخم الجثة يلبس ثوباً أبيضاً ينتظر أن يرسم على بياضه بدمي، وفي أقل من اللحظة تعصب عيني التي بالكاد ارتفعت عنها الأجفان قبل الصباح.

هبطت يد السياف السميكة على كتفي اليمنى وأجلسني على ركبتي الباردتين فبدت رقبتي طعاماً طازجا لشفرة السيف.

يرفع يديه القابضتين على النصاب الذهبي.. الهدوء يطبق على الساحة، لحظة فقط ويهوي السيف على رقبتي ليذوق طعم عظمي ودمي.

الصمت يخرس أفواه المتفرجين التي كانت تتجاذب خبر اللحظة وفي أقل من اللحظة أوقفت السيف صيحة القادم من بين الجموع صائحاً ملئ حنجرته:

- أعتقته لوجه الله .. أعتقته لوجه الله..

فيتطاير التهليل والتكبير من الأفواه لتلحق به الغتر والمناديل النائمة على الرؤوس. فعادت أجفاني تخاط بالدم والدمع.

 (2)

انتظار مُحب..

كان ينتظرها على الرصيف المقابل لجامعة البنات، كان متشققا من الحنين، يتصبب انتظاراً وترقباً حاراً لوصولها.. بوكيه الورد الأحمر الماثل خلف ظهره النحيل تباطأ حضورها أيضا.

كان باهت البشرة كأنه مولودٌ من رحم الشقاء، فالشوق المغلغل في أوردته أتلف قلبه المنتفض من تحت أضلاعه الخربة، يضرب بكعبه الأيمن صلابة الرصيف المدهون بالأسود والأصفر.. التوت روحه على طيفها الذي تراءى له عن كثب.. أقبل إلى طيفها كالخارج من خرابات اليأس مسحوباً بحبل أملٍ شديد، فارتطمت جبهته العريضة بجذع شجرة تزين الطريق فصحى كنائمٍ نُضح في وجهه الماء البارد، قَلَّبَ نظره المائع في الورد المتفتت من عَرَقِ يديه طيلة الانتظار، أطال النظر دقائق عابرة ثم ألقى به على الرصيف المتكسر تاركاً خلفه أمنيات مزهقة وموعد أخلفته ذات القد، وورد متفتت وعرق يدين استحال إلى ملح يأكل بقايا الانتظار.

 (3)

نافذة المراهق..

 أتاه صوتها من نافذتها المقابلة لنافذته.. حس بوبل أنوثة صوتها على أرض أذنيه المجدبة من وبل أصوات النساء.. مرَّ على سمعه كملكٍ يغدق العطايا على وزراءه الخونة.. سعى إلى النافذة بهوادة وبخطىً تطبطب على سيراميك غرفته التي تحولت إلى صندوق مملوء بأحلام وآمال العزوبية.

طَلَّ بحذرٍ وبعينين آكلتهما اللهفة والشبق لرؤية صاحبة الصوت المائي الذي انساب في سمعه الجاف ذاك السمع الذي طالما تمنى من أي أنثى أن تهمس فيه ولو بحرفٍ ساكن.

رآها تقلم أظفارها على حافة النافذة .. إلتقى بأهدابها فما أن ارتد بصره المتخشب إلا كان شباك النافذة الزجاجي مغلقاً وقد تركت بصقتها ملصقة عليه لتكون تذكارا له.