النصف الضائع

النصف الضائع

المختار السعيدي ( تازة – المغرب )

[email protected]

 لم يكن من عادته أن يقطع كل هذه المسافة راجلا ... و لم يكن من عادته أيضا أن يخيط كل تلك الدروب .. و لكنه كان مشغول البال تتقاذفه تيارات من الأفكار المتناقضة ... لم يعد يبالي بمن حوله .. .

منذ قرر سعيد الزواج كان يحدس أن حياته ستتغير ... كان يسبح في يم من الأحلام الجميلة ، و لطالما ردد في نفسه : " الدنيا متاع و خير متاعها الزوجة الصالحة " ؛ لم يعر اهتماما لتحذيرات بعض أصدقائه " المجربين " الذين نصحوه بالتريث ، و اعتقد حينها أن السبب في نفورهم يكمن في اختيارهم الخاطئ المؤسس على المقاييس الدنيوية الزائلة ... أما هو فقد حسم الاختيار ، و رسم المقاييس ، و حدد الأفق ... من خلال تربية مدرسية رسخها أساتذة التربية الإسلامية : " اظفر بذات الدين .." تدعمها عادات أسرية تتغذى من محيط لا يرى في المرأة إلا خادمة مطيعة لزوجها ، تعمل على إرضائه في الحضور و الغياب،  و في الحلم و  اليقظة ... و قد زاد من حماسه أصدقاؤه  " المحرومون " الذين يحلمون بالوظيفة و بالزواج  .. حتى غدا الأمران وجهي عملة واحدة , هي ثمن الوقت الذي يضيع هدرا في جدل عقيم ..

 كان يتحاشى الذهاب إلى المدينة القديمة ، و الدخول عبر " الباب الغربي " لأن ذاكرته ستسترجع أحداث يوم أليم ، اعتقد حينئذ أنه أسعد أيامه ، و اعتبره " فاتحة العهد الجديد " ... لكنه لم يشعر إلا و عيناه تتحولان من مكتب عدول لتقعا على مكتب عدول ! .. إلى فضاء الأسرة ... قضاء الأسرة ... همّ بالدخول .... إلا أن اللاشعور صرفه عبر سيل من الترسبات الراسخة في الوجدان ... و بين الماضي و المستقبل كان الحاضر ينتقل كالبرق ... أبغَض الحلال .. المدونة.. الأطفال .. و قرب " باب سيدي عبد الوهاب " وقف جنب " الشيوخ " يتأمل متألما ... المارة و الزمن و الأحداث ... بينما كان صوت داعية مشهور ينبعث من آلة تسجيل أحد باعة الأشرطة المتجولين : " من أراد أن يكمل دينه عليه أن يتزوج .."  بينما ردد سعيد في نفسه بلهجته المحلية " اللي بغى يكمّل على دينو يتجوج "1 ... و في طريقه إلى البحث عن النصف الضائع من الدين الذي كان بحوزته ... لمعت في ذهنه فكرة إنشاء " جمعية " للدفاع عن حقوق الرجل ! و رغم أن صديقيه " ربيع " و " مارس " استنكرا مثل هذا التوجه " الرجعي " ... إلا أنهما كانا يرغبان في نجاحه من أعماق أعماقهما !!!

1- يعني ضد معنى عبارة الداعية أي أن شخصية سعيد أصبحت ترى _ انطلاقا من تجربته المريرة _ أن الزواج يذهب بنصف الدين لا يكمله حيث يحمل تركيب " كمّلْ على " بالعامية المحلية ،  ضد معنى الكمال في الفصحى .