صباح عنفواني

ماجد سليمان

[email protected]

كانت الشمس تغسل رأس الرياض عن همومها أكثر من صباح عنفوانيّ.. كانت الأطياف العتيقة تعبر أزقة المدينة المملوءة بالصخب والضجر، لم يكن لحن الهدوء عازف ولم تكن تحلم هذه الرياض بيومٍ يبشرها بحدثٍ يغزل جديلتها المجعدةٍ من ضغوط الحياة المبثوثة في كل شوارعها الضيقة قبل الواسعة.

هناك حيٌّ مولودٌ في شرق هذه المدينة.. تسكنه أنوثة الفتيات الجميلات وتطوف به أحلام المراهقين المارين بأعمدة إنارته الأنيقة وتشجير شوارعه الممتدة أمام منزل إحدى الفاتنات.. في ربيعها العشرين ملامحها تشع كالبريق.. أناملها الطرية التي دائماً تشغلها بتقليم أظفارها الوردية.. تحط كحمامة على شباكها الرومانسي.. تكون المسافة بين أنفها المغري وزجاج النافذة أقل من سنتمترات، قد تشعر الزجاجة مع أنها جماد بدفء أنفاسها النائمة عليها.

يلتحم السحاب ببعضه وهي تتأمله أمامها، يصدح مجلجلاً بصوته المخيف، تنسل سيوف البرق من أغمادها وتقسم ثوب السماء وهي تطل من شباكها و تأملها ينغرس في السماء أكثر وأكثر.

دقائق حتى زخ المطر واستبشرت الرياض بالرواء بعد الجدب الذي يلازمها أكثر من ثلاثة أرباع السنة كما اعتاد أهلها، وانفتحت خزان الرحمان بالرحمة.

سحابٌ يثرثر على رأس الرياض مطراً نقياً مغيثاً بعد الله.. ما زال شباكها مسروراً بلقائها مع أنه جماد.. أرخت أهدابها لتشاهد العابرين والهاربين من المطر، وترقب الحذر الطاغي على قائدي السيارات خشية الانزلاق من اثر الماء الذي لحف الإسفلت المتصدع.

وقفت طويلاً والهواء البارد يرتطم بشباكها الذي يشرق من خلفه وجهها.

لحظات.. نُقِرَ باب غرفتها نقرتين.. لم تلق له بالاً..

نقرتين أيضاً..

التفتت إلى بابها المزخرف ورفرفت من شفتها جملتها:

-    من بالباب؟

-    أنا عمتك.. أريد الدخول

-    لحظات يا عمتي.. لحظات

ساوت فراشها على عجل.. أغلقت بعض أدراج تسريحتها المفتوحة ونظرت إلى شكلها في المرآة ثم نادت:

-   تفضلي يا عمتي.

تُدار يد الباب الذهبية إلى أسفل لتدخل عمتها.. ألقت نظرت عامة على الغرفة وهي تقول:

-    كنت أعتقد أنكِ مكبلة بالنوم فخشيت أن تكوني قد نسيت الشباك مفتوح فتتأثري من المطر والهواء البارد.

ثم استدارت وخرجت تاركةً لانغلاق الباب صوتاً مزعجاً.