مشروع " قصة ماما"

مشروع " قصة ماما"

د.سناء الشعلان

الأمّة التي تعتقد أنّها تستطيع أن تبدأ حضارتها من نقطة قرارها بالانطلاق هي لا شكّ أمة واهمة وغرّة،والأمة التي تراهن على المادة دون الرّوح هي أمّة في طريقها نحو الذّوبان والتلاشي  والانسياح في كلّ أشكال التخبّط والتلوّن.

الحقيقة التي أثبتتْ مصداقيتها عبر تجارب الأمم هي أنّ البناء يبدأ من الجذور، وأن النّماء يكون على حساب الأرض، وأنّ النّجاح يجيّر إلى مدى قوة الانطلاق من الموروث والتوليفة الثقافية الاجتماعية الدينية التي هي وعاء التجرية الحضارية كاملة، وأنّ الاهتمام بالكلمة لا يقلّ أهمية عن الاهتمام بالمادة إن لم يفقها أهمية، فالحضارة هي بناء إنسان ومنظومة فكرية قبل كلّ شيء، لا بناء آلة وعمران.

ومن هذه الاعتبارات الحضارية البنائية جاءتْ فكرة مشروع جلالة الملكة رانيا العبدالله لقصة الطفل" قصة ماما: حكاية جدتي" ليكون حجر أساس لفكرة عملاقة تستنفر كلّ المعطيات من أجل الدلوف إلى جماليات أهمية توثيق الموروث الحكائي الشفهي الأردني،وذلك بتجسيد هذه الفكرة على الواقع في تجليات مشروع يعمل على جمع ذلك الموروث من البيئة المحلية ثم انتقاء الأجود شكلاً وموضموناً وصولاً إلى نشره ورقياً بلهجة محكيّة تؤسّس لمكتبة أردنية خاصة لأدب الطفل الأردني.

وهذا المشروع النجيب قدّم منذ طرحه فطنة واضحة في استدراك مشاكل كان يمكن أن تقع أو استباق محاذر كان يمكن أن تقلق المشروع، ووضع لها حلولاً قبل أن تولد .

فمشروع كهذا كان يمكن أن يطرح إشكالية عدم الكفاءة في الجمع إن خوّل به موظفون ، لا يتوافرون على رصيد إبداعي ثقافي كافٍ،ولكن المشروع أسند هذه المهمة  إلى مبدعين ومبدعات من أبناء الوطن الذين تُركتْ لهم الحرية بالمشاركة في المشروع بقصص من حصائد ذاكراتهم أو من بنات أفكارهم على أن تتميّز القصة بقالبها الجميل ولغتها المحكية المشرقة وطرحها للمفاهيم الايجابية التربوية المطلوبة.

فهذا المشروع إن نجح في أن يحقق كلّ أهدافه، وإخال أنّه سينجح، لا يبحث عن جمع كمّ بعشوائية عمياء بل هو يبغي التأسيس لنواة مكتبة طفل أردني بكلّ حاجاته ومتطلبات بناء شخصيته وتحديد ملامح هويته الثقافية والعربية والإنسانية.        

وقليلة هي المشاريع العملاقة التي تستطيع أن تحقّق أكثر من هدف ورؤية في آن واحد، وذلك لصعوبة استحضار وتنفيذ أكثر من فكرة في استراتيجيات عملية واحدة، ولكن مشروع " قصة ماما" هو مشروع استثنائي يراهن بجرأة وذكاء على تحقيق أكثر من مشروع في مشروع واحد عملاق، يرصد له الكثير من العمل والأقلام المبدعة والدعم المؤسسي والحكومي والأهلي. فهذا المشروع يبادر إلى جمع التراث القصصي المحكي الأردني الذي يجسد ثقافة  وموروثاً حضارياً عمره آلاف السنين، لاسيما أنّ الأردن يتربّع على تاريخ وحضارة ضاربة في القدم والأصالة، والأمم التي تستطيع أن تجمع تراثها وتوثّقه هي أمم لا شكّ عندها خطط واضحة ومحددة وعلمية لاستثمار هذا التاريخ وإعادة تشكيل الهوية الوطنية وفق معايير تجمع بين الأصالة والمعاصرة.

 وهذا المشروع يقودنا إلى توليفة إبداعية خاصة، فهو يجمع الحكايا الشّعبية الخاصة بالطّفل، وينتقي منها السمين،ويذر الغث، وهو في الوقت نفسه يحافظ على هويتها الأردنية الأصيلة من خلال عرضها بلهجتها المحكية، مع ترك الباب مشرع على المخيال الإبداعي المعاصر، فالمشروع ليس حكراً على جهة ما، وجماعة دون أخرى بل هو مفتوح على كلّ الأقلام والرؤى والمخيلات، فكلّ أردني مدعو إلى المشاركة به عبر قريحته وحافظته مادام قادراً على تمثّل الشروط الإبداعية والبنائية والتربوية والفكرية المستحضرة وجوباً في رؤية المشروع.

مشروع " قصة ماما" هو باختصار مشروع الجميع لأجل أطفال الجميع ولأجل مستقبل الوطن.