صحفي رائع
صحفي رائع
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
خدمت الجندية عام اثنين وسبعين وتسع
مئة وألف حين استأجرت غرفة في الحلبوني أنزل
فيها الإجازات الليلية ، وقد يزور دمشقَ أحد من
الأهل والأقارب فيرتاح فيها ، وكان
في الغرفة المجاورة صحفي مبتدئ في جريدة البعث -
على ما أظن - التي كان رئيس
تحريرها صابر فلعوص .. عفواً صابر فلحوط ،
قال لي الصحفي بعد أن ارتاح إليّ
وارتحت إليه : عندما
بدأ اليوم الثالث من رمضان عام ثلاثة وسبعين ، وعرف صابر أن هذا الصحفي صائم
استدعاه
بلطف إلى غرفته ، وقدم له فنجاناً من القهوة .... لم يمد صاحبي يده إلى القهوة ،
فقال
له رئيسه : ألا تحب القهوة ؟ هل نقدم لك كأساً من الشاي؟ . وهو يريد أن يخجله ،
فيمد
يده فيشرب ، أو يخيفه فيفطر ..
أراد الصحفي أن ينهي المهزلة سريعاً ،
فقال بعزة المسلم وقوة المؤمن :
أنا صائم
.
قال له صابر بلهجة هازئة : صائم؟ وأنت
في القرن العشرين ، وشاب متفتح
، وصحفي يعمل في صحيفة البعث؟!
قال الصحفي : أما القرون كلها فربها
واحد ودينها
واحد . وأما أنني متفتح فهذا صحيح ، وتفتحي على الحياة جعلني أعرف ما ينبغي أن أفعل
، ولهذا تراني صائماً . أما
العمل الصحفي فيريد الشابَّ القوي الجلدَ والوقت الطويل
، والصيام عون على هذا .
ولم يكن من عادتك أن تدعوني إلى مكتبك
، وما دعوتك هذه
وتقديم القهوة إلا لتتأكد من صيامي ، وها قد عرفتَ ، فهل تسمح لي بالانصراف
؟
كظم الفلعوص غيظه ، وقال بلسان ينقط
سماً : كنت أظنك شاباً عصرياً ، وأحببت أن
أرقيّك في الجريدة ، فأنا أقدر الصحفي العصري ...
قال صاحبنا : اعلم أن هذا الأسلوب
لا ينفع ترغيباً ولا ترهيباً ، وكنت أظن أنك رجل
مواقف تحترم آراء غيرك ومعتقده ، لا تفرض ما تراه على
الآخرين ولا تتصرف بأسلوب ممجوج ينبغي الترفع عنه
، ولكن خاب فألي .... اشرب قهوتك قبل أن
تبرد يا أستاذ ..
نظر جاري إليّ وكأنه يقول : أأعجبتـُك
؟ قبلته بين عينيه وكان
قلبي يذوب فرحاً بثباته ، حفظه الله وفقه
.