ديبو المنحوس
محمد زهير الخطيب/ كندا
خطبها ديبو لانهم أخبروه أنها غنية وأنها تملك العمارة التي تسكن فيها وتؤجر شققها وتدير أمورها من مكتب صغير في أحد أدوار العمارة.
فرح لتجاوبها معه ولضحكها لنكاته الحلوة التي جمعها من الانترنت وأحس أنه سيطلّق الفقر أخيرا وأنه سيدخل معها في شهر عسل لن ينتهي إلا عندما يتمكن من الاستحواذ على عمارتها ثم يتركها ليطير إلى اوروبا ليرى الدنيا ويتمتع بمباهج الغرب الساحر حيث لا رقيب ولا عذول.
ولما كان الوقت الذي يقضيه معها لا يكفي للتعبير عن "حبه العميق" فقد تبادلا الايميلات ليتحفها بأحلى الكلام قبل أن تنام وليرسل لها أجمل الصور والالوان عن الجزر التي اختارها لها لقضاء شهر عسل خرافي.
ما أتعس اليوم الذي أخبره فيه صديقه عباس بأن "حبيبة القلب" ماهي الا مشرفة على العمارة (مانجر) وليست صاحبتها، عندها أحس بالاسى وانهارت أحلامه المخملية وتذكر أن أمه المرحومة كانت تسميه "المنحوس" عندما لا يطيعها وعندما كان يعود إليها خائبا في كل أمر ترسله اليه.
رحم الله الوالدة، كانت مع حبها الشديد لي تسميني " المنحوس" لابد أنها تعرفني أكثر من نفسي.
على كل حال سأنتقم من هذه النصابة التي كانت ستوقعني في حبائلها وتتزوجني وهي على الحديدة، وجلس إلى حاسوبه يدبج رسالة من تحت الدست.
عزيزتي فتحية،
لم أكن أعلم أنك ممثلة قديرة بهذا الشكل عندما حدثتني عن عمارتك المزعومة وثرائك الموهوم، ولقد سرحتِ بي بعيدا بكلامك المعسول عن مستقبل مشرق لا قهر فيه ولا فقر. لكم كنت أهبلا عندما صدقتك ووثقت بك. كنت سادفن شبابي في مقبرتك الموحشة، هل كنت تصدقين أني ساتزوجك لامتع نظري بمنظر أنفك الطويل وعيونك المعموصة وشكلك الذي لا يُعرف طوله من عرضه؟ أم لضحكتك السخيفة التي تظهر منها أسنانك العوجاء كحبات الذرة الصفراء.
كانت أمي تسميني منحوسا، وهذه أول مرة أعرف أن أمي كانت على خطأ لاني اكتشفتك على حقيقتك قبل فوات الاوان.
أرسل لك هذه الرسالة بالايميل لأني لا أطيق أن أرى وجهك النكد من جديد. الآن الساعة الواحدة ليلا وأنا أعلم أنك تنامين مبكرا، ستقرئينها غدا عندما تستيقظين لتكون آخر كلام بيني وبينك.
وفي اليوم التالي ذهب ديبو إلى عمله مبكرا كالعادة، وقابل صديقه "فاعل الخير" عباس الذي نقل له الاخبار عن خطيبته، فاسرع إليه قائلا: أبشرك ياعباس، لقد أرسلت إلى فتحية أمس إيميلا سياتي بخبرها ويزلزلها، لقد بهدلتها وأعلمتها أني تركتها. هذه النصابة الشمطاء. فاهتز عباس وأجابه ضاحكا، لقد كنت أمازحك يا مجنون، فتحية فعلا غنية وتملك العمارة ولكن أردت أن أداعبك وأمازحك، فاصفر وجه ديبو وانهال على عباس بالشتائم والسباب، وأحس عباس بالندم وحاول أن يفكر بسرعة وأن يجد طريقة لاصلاح غلطته.
أنت قلت أنك بعثت لها الايميل أمس في وقت متاخر ليلا، والآن الساعة الثامنة والربع صباحا، إنها لم تستيقظ بعد، أمامك قليل من الوقت لكي تذهب إلى بيت فتحية قبل ان تفتح ايميلاتها وتتصرف بطريقة ذكية لكي تتمكن من حذف الايميل الذي أرسلته لها قبل أن تقرأه ... صفن ديبو صفنة وهو يقول هل هذا معقول؟ فصرخ فيه عباس: نعم معقول ... هيا انطلق وبدأ بدفعه بقوة نحو الباب، سأخبر المدير أنك ذهبت لامر عائلي مهم وأنك ستعود سريعا هيا ... هيا...
إنطلق ديبو يسابق الريح وتسابقه أفكاره ... ماذا يقول وكيف يقول و ... و...
منْ بالباب؟ فتحت فتحية الباب وهي في ثياب النوم وشعرها منكوش. أنا ديبو أردت أن أفاجئك في هذا الصباح الجميل وأن نشرب معا فنجانا من قهوة قبل أن أذهب إلى عملي، رحبت به على استغراب ومضض، ومضت لتصلح من شأنها وتعد القهوة.
ما رأيكِ أن تفتحي لي الحاسوب لارى إيميلاتي ريثما تاتي بالقهوة، استجابت له وفتحت له الحاسوب ... الحمد لله لقد فتح الحاسوب بريدها الالكتروني الشخصي بطريقة آلية دون الحاجة لكلمة السر لانها كانت محفوظة، بدأ يستعرض ايميلاتها بقلق وبيدين مرتعشتين حتى وجد إيميله اللعين، فاسرع بحذفه ... وتنهد تنهد المنتصر وقام يغني اغنية "أنا واد خطير ..." فأتته فتحية بالقهوة وهي تبتسم وتعجب من أحواله.
إرتشف ديبو قهوته بسرعة واعتذر من "حبيبة القلب" وخرج مسرعا إلى عمله قبل أن يحسبوا تخلفه غياب يوم، ولم ينس أن يحكي لعباس ماجرى ومستعرضا ذكاءه وسرعة بديهته في حذف ذلك الايميل اللعين ... وضحكا معا حتى كادا أن يقعا على الارض.
وجلس ديبو إلى مكتبه وفتح حاسوبه وبدأ بمباشرة عمله، ورغم أن التعليمات في الوظيفة كانت تقضي بمنع الموظفين من الدخول إلى إيميلاتهم أثناء العمل، غير أنه قرر أن يلقي نظرة سريعة على إيميلاته ليرى فقط هل فيها شيء مهم.
لم يجد شيئا مهما، وقبل أن يخرج من موقع الايميلات لفت انتباهه إيميل قادم من فتحية، فقال لنفسه لعلها تريد أن نرتب لقاءً على الغداء أو ماشابه ذلك، فتحه وطعمة الانتصار الكبير لازالت في فمه فوجده كالتالي:
عزيزي ديبو
أريد أن أنصحك بأمر قد يفيدك في حياتك الجديدة
لاتترك الايميلات المهمة المحذوفة في سلة مهملات الحاسوب عليك أن تحذفها أيضا من سلة المهملات.
شكرا لسلة المهملات التي كشفتك على حقيقتك. ولا أقول لك إلا وداعا ياديبو المنحوس.
فتحية