سعادة البيه الحمار

من كتاب عالم مجنون

د. محسن الصفار

[email protected]

ابو احمد رجل فقير يعمل حمالا (شيال) للمحاصيل الزراعية ويكسب قوت يومه من نقلها على حماره من القرية الى السوق ليس لديه عائلة اذ ان فقره منعه من الزواج ومات اقرباءه واصبح حماره بمرور الايام كل شيئ في حياته فهو رفيق دربه ومؤنس وحدته ولا يتخيل حياته من دون حماره !!

دخل أبو أحمد الى كوخه المتواضع المصنوع من الصفيح بعد أن ربط حماره بالعمود وجلس في حر الصيف اللاهب داخل الكوخ كي يستريح قليلاً قبل أن يخرج مجدداً للعمل نظر من الفتحة التي يفترض بها أن تكون النافذة الى الأبراج الشاهقة والفارهة في الأفق وتنهد متحسراً على حظه العاثر الذي لم يعطه من دنياه ولا حتى بيت يأويه في أيام شيخوخته.

- هاي .... هلو ..... هلو

تعجب أبو أحمد لسماع صوت سيدة أجنبية تنادي من وراء قطعة القماش التي تقوم بدور الباب! لم يصدق أذنه وظن أنه يهذي بسبب الحر استمع جيدا مرة اخرى .

- هاي .. هلو .. هلو؟

خرج أبو أحمد مسرعاً فرأى سيدة أجنبية جميلة وأنيقة ومعها مترجم ويرافقها صحفي يصور كل شيء حواليه ينزلون من سيارة فارهة  خاطبه المترجم قائلا:

- أنت أبو أحمد؟

- ايوه  أنا أي خدمة يا بيه ؟

- هذه السيدة هي مدام جاكلين وهي تمثل منظمة إنسانية ذات أهداف نبيلة.

- أهلاً وسهلاً مرحباً بكم لا مؤاخذه المطرح مش قد المقام علشان اقوللكم تفضلوا جوة!!

- لا معلش ! احنا جايين في موضوع خير وحنمشي بسرعة !

أخذ عقل أبو أحمد يعمل بسرعة يا الله يا أبو أحمد والله يبدو أن الفرج قد بان وها قد وصلت يد المنظمات الإنسانية إليك لتنتشلك من البؤس الذي أنت فيه يا ما أنت كريم يا رب!

قاطع المترجم أفكاره وقال:

- منذ مدة ونحن ندرس بدقة أوضاع المنطقة التي تسكن فيها كي نعرف من يحتاج أن نمد له يد العون والمساعدة.

- بارك الله فيكم ربنا يعمر بيوتكم ربنا يخلي عيالكم ربنا يفرح قلوبكم.

- وبعد دراسات طويلة ومعمقة للحالات المقدمة وقع إختيارنا عليك.

- أشكرك يا رب ألف شكر وحمد ليك.

- وقررت الجمعية أنها توفر لك مأوى.....

قاطعه أبو أحمد وأخذه بالاحضان وأخذ يقبله والمترجم يحاول التخلص منه :

- والله انتو جدعان والله انتو أحسن ناس بجد ما يجيبها إلا خواجاتها الناس بتوعنا ولا حد سائل في فقير ولا مسكين هم ساكنين في فلل وأبراج واحنا ساكنين في العشش والخرابات والصفيح والمدافن, ولما  يحبوا يعملوا عمل خير يروحو يتبرعوا بفلوسهم لبتوع اعصار كاترينا في امريكا!! وكان احنا ماعندناش حد محتاج بس الحمد لله الفرج جيه على ايدكم أنتم يا خواجات يا أمرا.

- سيبني اكمل يا عم أبو أحمد احنا....

قاطعه أبو أحمد مجدداً:

- بس إن شاء الله يكون بيت ومش شقة علشان أنا ما أقدرش أسيب الحمار بتاعي ده برضه عشرة عمر وكنا سوا في الحلوة والمرة السنين دي كلها.

- ده هو بيت القصيد.

- يعني إيه؟ تعجب أبو أحمد.

- يعني أن المنظمة الإنسانية اللي المدام بتمثلها تعني بحقوق الحيوان

- برضه ما فهمتش!!

- احنا شفنا انك بتربط الحمار بتاعك في الشمس من غير ما يكون فيه حاجة تحميه من الشمس.

- وبعدين؟

- علشان كده همه قرروا أنهم يبنو مأوى للحمار من الشمس والبرد.

- طب وأنا؟

- إنت إيه؟

- أنا أروح فين؟ مش شايفين الخرابة اللي أنا ساكن فيها؟لا فيها باب ولا شباك ولا سقف حتى!!

- والله دي مش مشكلتنا ولا اختصاصنا احنا بنعتني بحقوق الحيوانات وبس, مالناش دعوة بالبني آدمين!!

أصيب أبو أحمد بالذهول والصدمة وقال:

-  بقى انتو شايلين هم الحمار وجايين وفد وصحافة ومترجم ومش شايلين همي أنا البني آدم صاحب الحمار؟!! يعني احنا في عيشتنا ما حصلناش حتى الحمير؟

إلتفت أبو احمد فوجد السيدة الأجنبية تأخذ صورة تذكارية مع الحمار ثم ركبوا السيارة وذهبوا.

رجع أبو احمد يجر أذيال الخيبة ولبس الجلابية وخرج وفك حماره وقال:

- شي يا حمار وإلا أقولك تفضل يا باشا ! احسن انا ما بقيتش عارف مين فينا الحمار ؟!!!!

 * مع الاعتذار لكل الفقراء في عالمنا العربي الكبير.