قصص قصيرة جداً
2
محمد سعيد الريحاني
-1-
قرابين
أذكر جيدا قصة حبي الأول: كيف تخليت عن نفسي للحلول في الحبيبة، وكيف قدمت نفسي قربانا للحبيبة، وكيف صارت الحبيبة مع توالي الأيام ترى القربان واجبا يوميا عليَّ تقديمُه.
أتذكر جيدا قصة حبي الأول لأن فشلها عجل بدخولي عالم الدين الذي انتشلني من الانتحار والإدمان والاكتئاب والانهيار الشامل.
في الدين نضجت وتغيرت عاداتي وزوايا نظري للأمور. فعوض أن أقدم نفسي قربانا لغيري، صرت أقدم الحيوانات والطيور قرابينَ بديلةً وأنتظر المغفرة والهداية والعفو والصفح.
لكن النضج الأكبر الذي ينشده كل إنسان يعرف من جهة أولى مصلحته ويعي من جهة أخرى كيفية سير الأمور حدث لي حين انخرطت في سلك السياسة.
في العمل السياسي، تعلمت كيف أضحي بالجماهير فداء لمصلحة الحزب، وكيف أضحي بالرفاق الصغار فداء للتسلق داخل أجهزة الحزب، وكيف أضحي بالأطر الوازنة في مكاتب الحزب استجابة لنوازع انسياب السلطة المتنامية في عظام َفَكّي الأَعْلَى وفَكّي الأسفل.
-2-
الرجل والكلب
تساءل حراس السجن عن سبب إقْحام كلب مع معتقل في زنزانة واحدة وعلموا بعد فضول عنيد أن الكلب لم يقبل بفراق صديقه الذي انهار على أرض قاعة المحكمة بعد سماعه قرار الإدانة بالسجن مَدَى الحياة مع الأشغال الشاقة.
من شقة باب الزنزانة، عندما كان الحراس يدفعون صحن الغداء وكسرة الخبز، يظلون يراقبون.
في البداية، كان الرجل يأكل الخبز مغموسا في المرق ويترك العظم للكلب.
مع الأيام، عند بدء تقديم لحم الجاموس المملح للمعتقلين، صار الرجل يأكل اللحم ويترك العظم للكلب.
وعندما بدأت الإدارة تسمح بدخول الدجاج لمطبخ السجن، كان الرجل يأكل لحم الدجاج ويترك العظام للكلب.
وعندما هيأ مطبخ السجن، بمناسبة قدوم وفد أجنبي عن إحدى المنظمات الحقوقية الدولية، الكفتة للأسرى ؛ أكل الرجل الكفتة كلها ولم يترك شيئا للكلب الذي لم يصدق عينيه،
والذي صمت طويلا وهو يحدق في عيني صديقه،
والذي بدأ يئن ويتوجع،
والذي تملكه نباح مسعور،
والذي انقض على صديقه وَأَكَلَه.