وثائقي ... وأمل

 

إيمان شراب

[email protected]

آه كم هو ممل هذا الفيلم الوثائقي !

بطلته أنا ، أصحو كل يوم مبكرة أسابق الزمن وأصارعه ، لأصل إلى عملي في الوقت . وهناك ، أعمل وأحارب وأختلف وأبكي، وأيضا أضحك وأفرح ، ثم أعود إلى البيت وفي صراع مع الزمن ، ليكون الغداء ، وبعده راحة أو لا راحة ، ثم شؤون أخرى ومسؤوليات أسرية جسيمة ، ثم نوم قلِق أو نوم كالإغماء ويكتب الله لي المزيد من العمر ، فأكرر ما كان ليصبح ما يكون ..

وتتوالى السنون ، والوثائقي نفسه ..

والنفس لها طموح كبير .. فكم تمنيت أن أكمل دراستي  ، وتمنيت أن يكون لي بيت أحسن من بيتي ، وتمنيت أن أكون صاحبة مشروع لا مأجورة عند أحد ، أفكر فأدرس ثم أنفذ ، وأحلم فأرسم على الورق خططا ثم يصبح الحلم حقيقة إذا قدر الله ذلك –  ولكن الوثائقي نفسه ، يأبى إلا أن يتكرر ..

وتمنيت أن أسير معتدلة الظهر بعد أن أحط عنه ديونا أثقلته ، فأشعر ذلك الشعور الجميل الذي حرمته منذ زمن ، أن القرش الذي أجنيه لي وليس للناس .

 وتمنيت أن أفرح بالقليل الذي أشتريه أحيانا لنفسي ، ولكن الندم على ما اشتريت سرعان ما يخنقني ، فكيف يحق لي أن أفعل وأنا المديونة ؟ كيف لي أن أشتري شيئا خارج حدود ما يسد جوعتي وأبنائي ؟  وتمنيت أن أرفه نفسي وأدللها لو مرة في العام ، فـ ....

-  أمي أنت هنا يا أمي ؟ ماذا تفعلين ؟

-  ماذا تريد يا بني ؟

- أمي ، كنت قديما مرحة نشيطة تضحكين وتمزحين ، ولكنك تغيرت منذ فترة  فكثيرا ما تبكين ، ودائما أراك حزينة ولا شيء يفرحك ..

-  سيزول كل ذلك بإذن الله، المهم  ماذا تريد ؟

-  أريد أن أشتري أشياء للمدرسة .

-  حسنا حبيبي سأعطيك لتشتري ..

يدخل الابن الثاني : وأنا يا أمي أحتاج حذاء لدرس الرياضة .

-  حسنا يا بني .

تسرع الابنة : آه شممت رائحة أموال توزع  ، وأنا أحتاج عباءة جديدة ، فعباءتي اهترأت !

بعيون باردة ، ووجه أكثر برودة تنظر إليهم جميعا وتقول : عندما يأتي والدكم نطلب منه كل هذا. . ينصرف الأبناء ، على وعد من أمهم بالتنفيذ تصمت ما شاء الله لها أن تصمت ، وباب حجرتها مغلق عليها ، استحضر عقلها كل الصعوبات التي مرت بها خلال سنين زواجها الخمسة عشر .. وكل صعوبة بصمت بصمات من الصبر على قلبها .

هبت واقفة تقطع كل ذلك قائلة : آن الأوان لاتخاذ القرار ، فلا مزيد من بصمات الصبر مللته وملني ولا أقدر على المزيد . سأتحدث مع زوجي وبصراحة وأعطيه فرصة أخيرة ، فإما أن يعمل على زيادة الدخل فيسد الدين ، وإما أن يتركني وشأني ، أكفي نفسي ، ويتحمل هو مسؤولية بيته وأولاده .

مسحت دموعها لتزيل آثار الضعف – كما تقول – ووقفت تنظر إلى نفسها في المرآة   ترسم على وجهها علامات الشجاعة .

هاهو يدخل البيت : أين أمكم يا أولادي ؟ 

وعلا صوته مناديا : ماما ، سوسو ، زهرتي الجميلة ..

حتى فتح باب حجرتها ، قبّل رأسها وقدم لها قالبا من الشيوكولاته قائلا : أكلت مثله في الصباح ، وأحببت أن تتذوقي طعمه ، وأظنه سيعجبك كثيرا ، وهذه أزهار الجاردينيا قطفتها لك من حديقة المؤسسة ، أعرفك تحبين رائحتها .

ابتسمت فقط !

سألها : ما بك ؟

ابتسمت خجلا ، وابتسمت حبا لهذا الزوج الرقيق الطيب الذي حرمه الله المال الكثير  ولكن أعطاه أحلى ما في الدنيا ، الحب لأسرته ولها ..

اتسعت ابتسامتها ، وقبّلت يده .

تتابع البطلة : الوثائقي نفسه .. على أمل بالفرج .