الابن العاق
نور الدين الظهرجي /المغرب
عابس الوجه، مكفهر المحيا دخل خالد، كان أبوه جالسا يتفرج على التلفاز، يستمتع بوقت فراغه، ويجول عبر القنوات الفضائية، وأذناه مثل ردار يرصد الأخبار ليتلقطها بكل دقة وتركيز، وقد وضع أمامه كؤوس الشاي المنعنع والمشبب، يرتشف من الكأس حتى تفرغ ويملأها من جديد، ويتنقل بعينيه ليشاهد برامج اليوم ويسمع أخبار العالم التي صارت تعكر عليه صفو اللحظة وصفاء الذهن، وهدوء المزاج؛ فجميع الأخبار اليوم أصبحت تثير الحزن والكآبة، وتزيد النفس غما وكربا، ولا يجد فيها المشاهد إلا حصارا آخر يضيفه إلى حصار الزمن، وضيق الحال؛ عوض أن يجد فيها متنفسا؛ فهذا إعصار يضرب سواحل اندونيسيا، وهذا زلزال ضرب تركيا وإيران، وهناك ضحايا فلسطين يسبب الغارة الإسرائيلية، وانفجارات هزت العاصمة بغداد، والمجاعات والصراعات الأثنية والطائفية تعصف بالقارة الإفريقية و...
أرأيت كل الأخبار تبدو كئيبة، سئمنا هذا النوع من الأخبار، السواد يخيم على الشاشة العربية! والليل يسود بظلامه! ونريد أن نسمع ما يخفف عنا عبء اليوم، وهمومه،و لكن!؟
في تلك اللحظة التي اختلطت فيها حلاوة الشاي بمرارة الأخبار، دخل خالد لم يسلم على أبيه، لم يلق حتى تحية الإسلام، ولم يؤد واجب التحية واللياقة، ثم اتجه بخفة وسرعة نحو التلفاز وكسره بعنف وعصبية؛ فهو جهاز حديث، وهو بدعة يحرم استعماله، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فهذا رأي خالد في كل الأجهزة الحديثة والعصرية!
الأب لم ينبس ببنت شفة، ظل صامتا كما صمت الشارع العربي، ووقف عاجزا كما عجز الشارع العربي! ولم يحرك ساكنا!