قصص قصيرة جداً
مصطفى حمزة
تَوْبة
كلّ خمسٍ وعشرين دقيقة تقريباً كانوا يدفعونَ بمريضٍ خارجَ غُرفةِ العمليّاتِ وهـو يُردّدُ عِبارةً بعينِها قبلَ أن يأخذه ذووه إلى غُرفتِهِ في المستشفى . ورغمَ عِلْمي بأن عمليّةَ قسـطرةِ القلبِ باتتْ مُيسّرةً ومضمونةَ النجاحِ ؛ إلاّ أنّني كنتُ قلِقاً جدّاً على أخي الخمسينيّ . ثمّ رأيتُهم يُخرجونه نصفَ مخدّرٍ وقد أنهَوا عمليّته ؛ فهُرِعْتُ إليه أســـتلمه منهم ولمّا دنوتُ من وجههِ لأقبّله سمعتُهُ يتمتم بالعبارةِ ذاتِها :
" توبة .. لن أعودَ للتدخينِ بعدَ اليوم " !
تَفَرُّد
ما إنْ قُرعَ جرسُ استراحة الظّهيرة حتّى تركَ العاملون تحتَ الشمسِ القائظة ما بأيديهم وتسابقوا إلى غُرفتهم الجماعيّة ، وافترشوا الأرضَ ، ثم بدؤوا يتناولونَ غَداءهم البسيط بنهمٍ شديدٍ ويُطفئون حريقَ قُلوبِهم بالماء البارد ..
إلاّ هو ، فقد انزوى في رُكن الغرفة ، وجلس مُسـتنداً إلى الحائط ، ثم بدأ يحلم بحياةٍ أخرى !
إدمان..
أدمنَها منذ كانَ طالباً في الجامعة فأسَرَتْ حِسّـهُ وعقلَه وساعاتِهِ ودقائقَهُ ! وضربَ في الأرضِ شَرْقاً وغرباً وهي معه ، وهو أسيرُها !! وعجزت زوجتُه بِخُلُقِها ورِقّتِها وبأولادِهما أن تُخفّفَ عنه مِنْ سـطوتِها !
واليومَ ،وقدْ غزا الملحُ فلفلَ رأسِهِ، مازالَ كُلّما شـمَّ طِيباً كَطِيبِها، أو سـمعَ اسماً يُشبه اسمَها أو كانَ منه مُدانياً؛ يثورُ وَجيبُ قلبِهِ، وتفِرّ من عينيهِ الدّموعُ!