مدير عام

إيمان شراب

[email protected]

زوجتي اللطيفة أحفظها عن ظهر قلب،وعندما تزداد رقة وشفافية فإنها تخفي اضطرابا وحزنا وقلقا.

ولكن لم هي حزينة؟ لم أزعجها في شيء! لعلهم الأبناء ؟ ولكن غضبها من الأبناء مؤقت سرعان مايزول،لا يستمر أياما !

استعرضت الكثير من الأسباب، فلم أر أيًّا منها هو.

برفق سألتها : هل لي أن أعرف لم هذا الفؤاد الكبير يتألم ؟

قالت –وهي الحريصة على عدم إزعاج من حولها - :من قال لك ذلك؟

لففت ذراعي حول كتفيها،أجلستها جواري،وقلت:

إنني ياسيدتي تلميذ متفوق أحفظ كل دروسي،وأنت أنت كل دروسي.

ضحكت ولم تعلق،وفي نفس الوقت مسحت دمعتين أسقطتهما عيناها..

تابعتُ:مهاراتي في الحفظ وليست في حل الألغاز والأحاجي مع الأسف،فهل لك يازوجتي أن تخبريني عن لغز هذا الحزن؟

قالت-بعد صمت قصير-: لقد سألت كثيرا عن وظيفة جديدة فلم أوفق،سألت هنا وهناك فلم أجد مايناسبني.

أجبتها: ألا زالت هذه المواويل في رأسك؟

قالت عاتبة: ليتني لم أخبرك،كنت أتوقع منك هذا الرد! ولكن المفروض أنك على وعي يمكنك من فهم الأمور وإدراكها فكيف لمن كانت موظفة سنوات أن تنقطع عن العمل وتجلس في البيت دون أن تتأثر!! إنني في ضيق شديد من تكرار ما أقوم به من أعمال منزلية، وأراني في دوامة!

قلت: وعندما كنت تعملين ألم تكوني في دوامة الوظيفة مضافا إليها دوامة المنزل؟ودوامة الأطفال ؟ودوامتي؟

قالت: بلى .

قلت:إذن؟

أجابت :لا أدري!إنني أشعر باكتئاب وكفى.

قلت:يا زوجتي الحبيبة،إنني والله أشفق على هذا الدماغ من كثرة التفكير وآه، من زوجتي الموهوبة المبدعة!

مرة أخرى عاتبتني بعينيها فقط، وتمتمت بكلمات لم أفهمها.

مرت أيام وأيام،ونفسية زوجتي تزداد سوءًا،فأرقت لحالها ،لأنني لم أعتد رؤيتها على هذا النحو من القتامة فترة طويلة!

وبينما أنا مستغرق في أمرها ،تحمستُ لفكرة، فبدأت التنفبذ فورا. أخذت الأبناء وذهبنا للتسوق. ُ في مساء ذلك اليوم أخبرت زوجتي بأن مناسبة خاصة سنحتفل بها اليوم. وقبل أن تسأل قدمت لها ثوبا رقيقا يليق برقتها وقلت لها :

أحب أن أرى عليك هذا الثوب حالا.

قبّلتني شاكرة و في عينيها أسئلة كثيرة.. ارتدت الثوب الذي بدا أكثر روعة عليها . أرادت أن تسأل فرجوتها أن تكمل زينتها .

في تلك الأثناء أخذتُ أوزّع الزهور في الأركان، أضأت الشموع،وبخّرت المنزل. ذهبت لألقي نظرة على زوجتي،ناديت الأبناء وأخذت أستعرض جمال أمهم وهم سعداء فرحين بذلك.

في الموعد حضر الأقارب، وسط استغراب زوجتي. ولما اكتملوا ،قلت :

أحبابي ،جمعتكم اليوم لنحتفل بمناسبة تخص زوجتي رنا.. أنتم تعلمون أنها عملت لسنوات طويلة داخل البيت وخارجه،عملت صادقة مخلصة جادة،وقد آن الأوان لترقيتها.............وبناء عليه تمت الترقية،فهي الآن مدير عام !

رسمت كلماتي الكثير من الدهشة والاستغراب والاستنكار والعتاب!!

وأطلقوا تساؤلاتهم: مديرعام؟ كيف ونحن نعلم أن رنا لاتعمل منذ عام ونصف ؟ هل عادت إلى العمل ونحن لانعلم؟! أم هي مقبلة على وظيفة جديدة برتبة مدير عام؟

ما إن سكتوا حتى قلت: نعم، إن رنا مدير عام بيتنا.

علق أخوها: هداك الله! أنت تمزح؟

فلت:أنا جاد، أنا الرجل لا أستطيع ذلك أما رنا تستطيع . بيتنا شركتنا، ورنا وأنا والأبناء نعمل معا لتكون شركتنا متميزة في عالم الشركات تحت إدارة رنا .

سألتني والدتها- لعلها تستثير في شهامة أو حماسا - : لكن الموظف له راتب شهري أليس....

قلت مبتسما: طبعا ومن قال غير ذلك؟ ومديرنا العام له مرتب شهري وإجازات وبدلات وكل الحقوق.

وتابعت: ويسرني اليوم أن أقدم هدية لرنا ،فماذا تتوقعون؟

وبينما هم يحاولون ويتخيلون ، أخرجت مجموعة ألوان وفُرش . استتفه الجميع ذلك، وبدا لي هذا من تبادلهم النظرات والابتسامات الساخرة !

ولكن رنا وحدها فهمت..رنا وحدها فرحت..رنا وحدها قدّرت..رنا وحدها ابتسامتها اختلفت..

وكفراشة جميلة تقدمت مني وهي تغالب دموعها، وقالت: لاأجد في هذه اللحظة كلمة مناسبة في قاموسي أشكرك بها،وسأظل أقدر لك موقفك الرائع هذا..وتابعت بضحكة دامعة أو دموع ضاحكة : قبلت الوظيفة.

 بعد أكثر من عام كانت رنا تشارك بلوحاتها في أحد المعارض سعيدة...

وقلبها لو تعرفونه كبيركبير،ولكن فرحتها لم تسعه.