مُمَانَعة !..

د.محمد بسام يوسف*

[email protected]

وضع سمّاعةَ الهاتف حانقاً متمتماً :

- متى سيفهم هؤلاء، بأنّ فلسطين هي قضيّتي الأولى، وشرفي الذي لن أتنازل عنه؟!..

- المستشار : مَن هؤلاء يا سيدي؟!..

- الحاكم : لقد أرهقوني.. أرهقوني فعلاً يا (ناصيف): الأصدقاء.. والحلفاء.. ورؤساء الأحزاب.. ونقباء النقابات.. وغيرهم.. كلهم يطالبونني بالتحرّك لنصرة فلسطين، وتحرير الأقصى الأسير، وفكّ الحصار عن (غزة)!..

- المستشار : وَيْحَ هؤلاء جميعاً.. ألا يعلمون يا سيدي أنكم تبذلون كل إمكاناتكم في سبيل قضيّتنا الأولى والأخيرة؟!.. متى سيفهم هؤلاء الجاهلون حكمتَكَم، ويقدّرون جهودَكم المبذولة للتحرير؟!..

- الحاكم : ألا تشهد لي يا (ناصيف) بأنّ فلسطين هي هاجسي الأول في حياتي، وأنني أفديها بدمي؟!..

- المستشار : طبعاً يا سيدي، ولوّ!.. ليس فلسطين فحسب، بل الجولان أيضاً يا سيدي.. فأنا الذي أعرف، كيف ورثتم هذا الهمّ العظيم عن والدكم البطل، الذي خطّط منذ أربعين سنة، لتحرير فلسطين، ولإنقاذ الفلسطينيين، لكن يا سيدي، لنعذر أولئكَ الذين يُلحّون عليكَ بالتدخل هذه الأيام، فهم يعلمون بأنّ لدينا جيشاً قوياً، ويتألّمون لِمَشاهد إخواننا أبناء الشعب الشقيق في (غزّة)، الذين يَستبيحهم العدو، ويستبيح أرضَهم ووطنَهم وأرواحَهم ودماءَهم وأعراضهم وأموالهم!..

- الحاكم : فما رأيكَ يا (ناصيف)، ماذا نفعل لكي نُثْبِتَ صدقنا أمام شعبنا وحلفائنا الفلسطينيين؟!..

اقترب المستشار (ناصيف)، وهمس في أذنِ الحاكم (كشّار) بضعَ كلماتٍ رسمَتْ على وجهه (أي وجه الحاكم كشّار) ابتسامةً عريضة، فانتصب واقفاً، قائلاً لمستشاره:

- إذن تحرّك يا (ناصيف)، اتصِل بقادة الجيش، وبكل وكالات الأنباء، وبمكاتب القنوات الفضائية، وسيعلم (أشباهُ الرجال) و(أنصافهم) الجهلة.. كم نحن صادقون وطاهرون.. وصامدون.. وممانِعون.. فلا تدّخر جهداً ولا وقتاً يا (ناصيف).. لنتحرّك بسرعة، لقد طفح الكيل، ونفد صبرنا.. ولنجعلها بمناسبة الذكرى العظيمة ليوم الثامن من آذار!..

- ناصيف : أمركَ سيدي، حاضر، سَيَرَى الناسُ كلهم صدقَ نواياكم ونضالكم، على الهواء مباشرةً!..

بعد ساعةٍ ونصف، نقلت القنوات الفضائية صورة الحاكم (كشّار البلد) ، يلتفّ حوله قادة الجيش التسعة، وعلى أعلى باطن ساعده الأيسر العاري.. قطعة من القطن الطبيّ مضمّخة باللون الأحمر، وكلهم يتدفّقون من بابِ بناءٍ ضخم، تتدلّى من أعلاه لوحة قماشية واسعة تكاد تلامس رؤوسهم، وقد كُتِبَ عليها بالخط الأحمر العريض: (بالروح.. بالدم.. نفديكِ يا فلسطين.. "مع تحيات المصرف الوطني للدم")!.. فيما ظهر المستشار (ناصيف) إلى يمين الحاكم (كشّار) وهو يقرأ تقريراً طبياً، حرّره الطبيب المختص في مصرف الدم، سُجِّلَ فيه العبارة التالية:

- عفواً (سيدي الحاكم).. آسف لعدم قبول تبرّعكم السخيّ، فأنتم مصابون بفقر الدم المزمن يا سيّدي، وتُعتَبَر أوعيتكم الدموية - طبياً - في عِداد الأوعية الجافّة.. فمعذرةً.. أرجو المعذرة!..

              

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام