تسلل إلى جنة السلام
منى مرسل ـ جدة
حسنا ..سيغمى علي بعد حين ، ربما لن اكمل الذي بدأت بكتابته ، ربما سأخطأ في تهجئة أحدى العبارات ، ربما سأنكفئ على شئ آخر ..وابتعد عن الورقة والقلم لأتركهما في حيرة ، كما فعلت مع أهلي وصديقي الوحيد ، وكما فعلت بهم ..ربما سأفعل مع نفسي ..ولن يهدأ غضبي الأرعن ، إلا بعد أن أسكبه فوق كائن ..حيا كان أو جامدا ،لايهم ..فعلا لايهم .
سيظهر لهم بالتأكيد أنني مشوشة التفكير ـ الحمقى هم ـ سيهزؤون بي ، وسيتدافع الصغار ..لوضع يدهم على كلماتي ..سأخطر على بال الكل ..سيلعن سيرتي البعض ، والبعض الآخر سيترحمون ولكن في السر ، وفي السر سيقرأون علي الفاتحة .
أنا أعترف أنني كنت على خطايا ، اعترفت لله ،و للصديق الذي استخلصت وفائه من بين ألف قلب وألف روح ، وعيناي الجميلتان خاطبت البقية بعدة لغات ، لم يفهموا قط سر تلك النظرات ..لم يفعلوا لها شيئا يسكن وجعها ، وحالتها تلك استمرت حتى انطفئ شعاع النجدة من بؤبؤها الأسود .
حسنا ..إلى اللقاء..يوما ما ستلحقون بي فلاتستعجلوا ، ولاتتقاعصوا كما عهدتكم ، بأي طريقة كتبت في أقداركم سوف نلتقي ، وأرجو قبل أن أصمت للأبد أن تحققوا لي أمنيتين ؛ اثنين لاأكثر ولاأقل ..
الأولى ..أن تخرسوا أفواه المفتون في شريعة الدين ، والمفتون في شريعة الحب .
الفئة الأولى ...لن تستطيعوا اسكاتهم إلا بطريقة واحدة ، ربما ستضركم لأنكم ستكذبون !!..نعم ستكذبون ، وأيضا سوف تحلفون كذبا ـ إذا إضطررتم لذلك ـ وستذرفون دموع التماسيح ليصدقوكم .
هاه !!..احذروا ..إنهم لايصدقون أحدا بسهوله ، يفتون بالصدق ، واحذروا أيضا من أشباههم ؛ لأنهم بالتأكيد سيعلنون أنكم صادقون بمجرد أن تعطوهم بعض الأشياء التي تلمع من تحت الطاولات .
وبعد أن تحلفوا بصدقكم ، سيؤذن المفتون وناشروا الصحف والأخبار والعامة التالي:
كانت شهيدة السلام ، في عالم غاب عنه السلام ، كانت تحن للوئام ، في عالم غابت عنه أبعاد الإنسانية ، كانت تحوم حول معنى الإخلاص ..تبحث عنه للخلاص من عالم عشش في خلاياه الزيف والعفن والإطراء ، كانت ناقوس خبر لألف خير في عشرين ألف سنة قادمات ، كانت تركع لقبلة الأمل الجميل ، وتسبح بحمدربها بكرة وأصيلا ، كانت تمقت الوثن والتضليلا ، والجرح والتنكيلا ، وترمي بحجارة الكلام كل زناة المال والكراسي ، كانت تداعب طموحاتها الرواسي ، وتكره البطلان والزور والنكران ، كانت تبيد كل صبح آثر الوحل من أقدام اللاعبين تحت وطرة الليل ، كانت مجيدة في عالم كائن داخل السخف ، والمعتوهين ، والأنذال ، وحثالة النوايا ، كانت رائدة في موسم لارجال فيه ولانساء ، الكل فيه سواء بسواء ، في السوء سواء وفي الزهو سواء .
كانت للسحر الحلال بلبلا يغرد فوق نعوش السيادة ، كانت للفكاهة مصدرا وموردا أصيلا ، كانت تروح وتغدو لتعبر من مسامها ..أنوار تومض للأبدية ، للأجيال التي ستأتي كاللقطاء في مهب السير ، للأفئدة الوهنة المستباحة ..كانت شرارة دفئ وحرارة ، تثبت أن الحياة هي الأبقى من الموت .
سيقولون كلما حلفتم لهم ؛ أنكم صادقون ، سيقولون ، وسيستدلون بمئات الأدلة والبراهين ، وسيثبتون أن العظمة لاتعطى لأي أحد ، إلا إذا فعل كل الذي ذكروه ..وذكروا أيضا أنني فعلته ..فقط إحلفوا لهم!!
والفئة الأخرى ، سيتساقطون كلما غنيتم لي مناسك الشعر ، وعلقتم قلائد العشق الأفلاطوني ، وجعلتم من سقراط طاووس ساقته الأماني إلى حيث أنام ، وبعد ذلك ..استلهمني في سطورة .
فقط قولوا : كانت ترقص في ملاهي الأغنيات ، وتعري ساعدها فقط للعشاق الحقيقين ، وكانت تخطر لها أن تغتسل بماء الكادي أمام معبوديها ؛ لكنها أبت أن تكون مجرد إطار جميل ..تتلمسه الأيدي حتى يخفت لمعانه .كانت مثل الإيساتك البكري ـ غير أنها ـ لم تتبرعم من بينها مفاتنه الصغيره ، أسقاها الغيم من ريقه ، وخبت فوق تربة لم ترطب بعد بعرق الفراش الهائم .
صدقوني ، إذا صدقتموني ..وحلفتم للبقية مثل ذلك ، سيصدقونكم ، وستعيشون تحت ظلال سيرتي الأولى وحتى الأخيره ..ستجدون أنكم ستسامحونني بعدها على هذه اللحظة ,وستلحقون بي وكلكم شغف بلقائي ..ستعرفون أنني تسللت إلى الجنة ، حيث سأجد كل السلام الذي ظل من أرضكم ، واتى إلى هنا أيضا متسللا ، سأضحككم ، وسأبكيكم ، ولكن أكثر من هذا وذاك ..سوف أفتقدكم !!