طفل الغابة

إبراهيم محمد شيخ مغفوري

إبراهيم محمد شيخ مغفوري

هذا غول ، هذا غول !! من جاء به الى قريتنا ؟ سمع هذا الكلام كثيرا ، لم يعره

اهتمام ، ظنه من أكاذيب الاطفال.

بلغ مبلغ الرجال ،يأكل مما يأكل أهل البيت ، كان يتمنى أن يأكل لحما ، ليس أي لحم

، لحم آدمي نيئ ، الناس من حوله لايفعلون هذا ، لماذا هو فقط ؟، من هو ؟

ومن يكون ؟ ولو علموا بما يفكر فيه ماذا عساهم يقولون ؟ وماذا سيفعلون ؟

ترددت الاسئلة في ذهنه كثيرا ، خاف أن يفصح بما يجده في نفسه ، ماذا يقول الناس

عنه ، سوف يتهمونه بالجنون ، سيقولون عنه من أكلة لحوم البشر ، هو ليس منهم

شكله يختلف عنهم ، كبير الجسم ، له حاجبان طويلان ، يشبه الغول ، قالها أحد

الاطفال رأى الغول في القصص المدرسية التي كان يقرآها ، خاف منه الناس ،

اجتنبوه ، خاف منهم وهرب من قريتهم ، وصل الى الغابة ، مشى في الغابة كثيرا

،وجد بيتا قديما متهدما ،كأنه يعرفه ، خاطب نفسه قائلا:

ـ أين أهله ؟ أين ذهبوا ؟ ماذا أصابهم ؟ هل سيعودون في يوم ما ؟

لم يجد إجابات لأسئلته ،قرر أن يعيد بناءه ، وأن يسكنه ،لكنه تعود على القرية

وأهلها ، لذا استوحش المكان ، مشى عدة خطوات يريد العودة إلى القرية ،تذكر كلام

الناس هناك ،خاف على نفسه ، توقف عن المشي ، جثا على ركبتيه ،تذكر البنت

 التي علقها قلبه ، وعدته أمه التي ربته في بيتها أن تزوجه بها ، حن للقرية من

جديد تمنى أن يبكي مثل سائر البشر ، لكنه لم يستطع ، انتصب واقفا وقال:

ــ أنا غول محترم ، يجب أن أكون قويا ولا أبكي مثل البشر ، عاد إلى الغابة ،

الرجل الذي رباه سمعه ليلة من الليالي يقول لزوجته:

ـ نادر ليس طفلا عاديا ، عندما وجدته في الغابة كان صغيرا لكنه ليس كباقي

الاطفال كان يتصرف كالغول ، ضحك الاب وضحكت الام ، قالت الام:

ـ هل تعرف الغول وتصرفاته؟

ـ لا ، لكني أسمع في الروايات عنه الكثير.

ـ هل كان في الغابة بمفرده؟

ـ نعم .

ألا ترى وجود طفل مثله في الغابة وحيدا أمر غريب

ـ نعم ، أنا أظن أن والديه أو من كان معه في الغابة أصابه مكروه.

ـ انتظرنا كثيرا كي يأتي أحد يسال عنه فلم نجد.

ـ نعم.

ـ مسكين نادر ، هو الان ابني ، لن أفرط فيه.

إذا أنا غول فعلا ، أبي غول وأمي كذلك غولة ، أين هما ، هل قتلهما البشر ، سأنتقم

ممن قتل والديا ، سأنتقم منه في يوم من الايام.

عاد الى بيته في الغابة ،مشى قليلا في الغابة ،اقترب غروب الشمس،وتذكر النوم ،

هو ليس لديه سرير للنوم ، ماذا يفعل ؟!! صنع له سريرا من الخشب ، كساه بورق

الشجر ، غابت الشمس ، وهجم الظلام على المكان ، وحوّل كل شيء الى السواد ،

فأحس بخوف ، حزن على نفسه ، وقال:

ـ أنا غول ، لا أسكن بين الناس ، كيف أخاف من الظلام ، هذا لايعقل ، أنا قوي ، أنا

لا أخاف ، أنا وحش ، الوحش لا يخاف.

لم يستطع النوم تلك الليلة ، أين فراشه الوثير الذي كان ينام عليه ؟ أين أمه ؟ أين

أباه ؟ أين أخوته ؟ هل يستطيع العودة لهم في يوم من الايام؟

نام قبيل الفجر ، وصحا مع طلوع الشمس ، أحس بالجوع ، تذكر ما كان يفكر فيه ،

لحما آدميا نيئا ،لكن أين يجده ؟ فكر قليلا ثم قال :

ـ  لن أذهب لقريتي ، القرى كثيرة .

 وجد شوالا كبيرا في البيت حمله على ظهره ،وقال في نفسه:

ـ هذا لا يحمله إلا الاقوياء ، قد يكون لغول قوي يحمل فيه فرائسه ، هل يكون لأبي ؟

يا الله ، هل البيت الذي أسكنه هو بيتي الذي ولدت فيه ، يا ويلكم أيها البشر مني

سوف أخذ بثأر أبي وأمي منكم.

رأى قرية في الجهة الثانية من الغابة ، أقرب بيت من بيوتها كأنه مهجور ، وهناك

طفلة تلعب بمفردها ، اقترب منها ، وأطبق عليها الشوال ، لم تتحرك ، لم تبدي

مقاومة ، حملها على ظهره ، خفيفة

الحمل لم تصدر صوتا ، هل هي دمية من التي يصنعها البشر لأطفالهم كي يلعبوا

بها ههههه ضحك على نفسه ، هل هذا معقول ؟ الجوع أخذ مني مأخذه ، سأرميها

في الغابة إن كانت دمية ، وصل الى البيت ، وضع الشوال ، ونظر بداخله ، يا الله

طفلة صغيرة حقيقية لكنها نائمة ، تحسس جسمها ، إنها ضعيفة ، ليس فيها لحم،يا

لسوء حظي ، سوف أذهب كي أبحث عن طعام لي ، أحضر طعاما له ولها ، ماذا لو

أطعمها حتى ينبت لحمها وأكلها ، استحسن الفكرة ، أكلت الطفلة معه ،بدأت تتحسن

كبرت قليلا ، كان يتأملها وهي نائمة ، ويقول لنفسه :

ـ متى أستطيع أن أكلها ، يا ترى هل تعرف أني غول ؟ إذا عرفت فإنها ستهرب لا

محالة ، سأبدو لها أنني إنسان طيب أربيها وأطعمها .

الطفلة كبرت ولبست نقاب(احتجبت عن الغول) بدأ شكلها يتغير ، خافت تنكشف ،

رآها الغول ، ضحك في نفسه وقال:

ـ احتجبي أو لا تحتجبي ،أنت فريستي التي اجهزها ، سوف التهمك بكاملك اذا

سمنتي لا أكثر .

الطفلة في بيت الغول تضحك في نفسها وتقول:

ـ ويل لهذا الغبي مني ، لو عرف من أنا ما كان أقدم على خطفي ، سوف أتركه

يطعمني ويعتني بي ، سآخذ ه على غرة ، إذا سنحت الفرصة لن أبقي منه شيئا.

جهز الغول نفسه في ليلة من الليالي ، أعد التنور والخبز ، وعد نفسه بوجبة دسمه

من البنت التي أصبحت في أحسن حال.

البنت أحست بما يدبره الغول ، قالت في نفسها :

ـ سنرى من يأكل الثاني.

اقترب الغول من البنت ، أهوى بيديه اليها ، كشفت البنت عن وجهها وشعرها ،

أصاب الغول الفزع مما رأى ، وقال بصوت مسموع:

ـ البنت التي أطعمتها كي أكلها تحولت الى غولة ، كيف هذا ؟!!، من أين أتت هذه

الغولة ؟!!، قالت الغولة:

ـ وأنت من أين أتيت أيها الغول ؟!!

ـ هذا بيتي سكنه أبي وأمي ، وأنا أعدت بناءه.

قالت الغولة:

ـ أنا كنت أسكن مع والدي في الطرف الثاني من الغابة ، ماتت أمي وأنا ما زلت

 رضيعة ، تولى والدي تربيتي ،عندما وصلت لسن الخامسة صرع أبي البرق

 في ليلة مطيرة ، بقيت بمفردي في الغابة ،حملني الجوع على الذهاب إلى القرية

القريبة ، ضمني أهل البيت الذي وجدتني بجانبه لأبنائهم ، تطبعت بطبائعهم ،

ولما رايتك وعرفت نواياك ، استعدت طبيعتي كغولة ، أنا الان أستطيع الدفاع عن

نفسي. ضحك الغول وقال:

ـ أنا أعرف حلا أحسن من الاقتتال !!

ـ وما هو؟

ـ نتزوج ، ونحمي غابتنا ، ، وننجب أبناء يحافظون على نوعنا.

ـ موافقة ، على شرط !!

ـ وما هو؟

ـ نتعاهد على ألا يغدر أحدنا بالأخر .

ـ موافق.