حرب

توقفت العربة بصعوبة _ لانحدار الأسفلت _ بجوار الرجل الذي كان يحمل في يده كيس بلاستيك أزرق كبيرا بائن الثقل . قال  صاحب العربة للرجل : اركب !

فركب ، وبعد السؤال عن الحال قال مشيرا إلى كيسه : كوبونة . حصلنا عليها من جمعية .

رد صاحب العربة : تعين على مشقة الحال .

_ صرنا نعيش على الكوبونات .

_ ماذا نفعل ؟! الكل يحاصر غزة . ليس لغزة صديق إلا الله .

_ أنعم بالله !

وضرب صاحب العربة الحصان الفتي الذهبي  برفق على كفله بسوط رفيع في طرف عصا آمرا : تحرك !

فقال الرجل : ماذا تطلب منه أكثر من هذه السرعة ؟!

فضحك ، وبان ما في أسنانه من نقص .

وفكر الرجل : أحيانا يشبه الناس الدجاجة . لو وضعتها على صليبة حب لا تتخلى عن النبش . طبع في الدم .

وما ابتعدت الفكرة عن باله حتى ضرب صاحب العربة الحصان ثانية بنفس الرفق يأمره : تحرك يا حرب !

فسأله الرجل مستنكرا : اسمه حرب ؟! تسميه حربا فوق ما نحن فيه من حروب ؟!

ضحك صاحب العربة ، وأشعل سيجارة ، وسأل الرجل : تدخن ؟

فرد بنبرة حمد وامتنان : ربنا كفاني شره .

وامتص صاحب العربة أول نفس من سيجارته ، أو سمه مثلما بدر إلى بال  الرجل في تلك اللحظة ، وقال : لاسمه قصة .

قال الرجل : نسمعها .

_ في الحرب التي فاتت  أخذت العائلة على أمه إلى مدرسة الوكالة . كانت حاملا به . ربطتها في كرم زيتون شمالي المدرسة . في ليلة ، انطلق صاروخ من الكرم . وضربت طائرة المكان . ذهبت إلى أمه في الصباح . أين الفرس ؟! ليست موجودة . انغم قلبي وخفت عليها . ماذا أصابها ؟! أين شردت ؟! أخذها أحد ؟!

ترددت في الذهاب إلى البيت . الموت في كل مكان .قد تكون رجعت إلى البيت بعد أن قطعت رباطها . قصير الكلام يغنيك عن طويله  . قل غامرت بالروح . ذهبت إلى البيت . ويا من لا تتخلى عن عبادك في الشدة ! وجدت ولدها يرضع منها في مربطها الدائم تحت الجميزة . قلت يارب لك الحمد . وسميت ولدها حربا . هي اسمها جميلة . بعتها من أسبوعين ، وشددت عليه العربة .

بلغا منعطفا ، فقال الرجل : نزلني ! بارك الله فيك !

فقال صاحب العربة شادا زمام حصانه : لم تقل  لي اسمك .

قال الرجل بعد أن نزل ، وبدأ ينزل كيسه : سلام .

_ بالله العظيم ؟! تمزح ؟!

_ مثلما سمعت .

_ سأسمي حصاني من اليوم " سلاما " إكراما لك .

_ خله باسمه !

_ السلام أحسن من الحرب .

_ أحسن . لكننا في حرب .

_ ومتى نرى السلام ؟!

_ بعد موت جرثومة الحرب .

_ تقصد إسرائيل ؟

_ إسرائيل .

وأقبلت سيارة بدا من فخامتها ووحدانية سائقها أنها خاصة . توقفت وحملت صاحب الكيس .

وضرب صاحب العربة حصانه مترفقا يأمره : تحرك يا حرب !

وسوم: العدد 632