حلم أمل

    كان حلم " أمل " وهي تدخل مستشفى التوليد أن يرزقها الله سبحانه ولدا يعوضها عن فقيدها الأول حسام، وكانت في أيام حملها تعيش في حالة نفسية حرجة، فهي بين الخوف والرجاء بعدما أخبرتها طبيبة المستشفى أنها والجنين بحاجة إلى علاج لتلافي خطر قد يقع على حياته ..

   وسعى الزوجان ليحصلا على الدواء اللازم، وعز عليهما جلبه بسبب الحصار الذي ضرب أطنابه في غزة وامتد سنين عجاف، وأحكم الصهاينة الخناق على القطاع وجعلوا شعبها في سجن في بيوتهم وأراضيهم، وكانت حركة تهريب البضائع إلى غزة من أنفاق تصلها بمصر قد ضعفت بعدما اكتشف الصهاينة هذه الأنفاق ، ووضع الجدار الفولاذي بين غزة ومصر فعزَّ على التجار إدخال أي شيء.. أي شيء .. حتى العلاج والطعام ..

    واسقط في يد الزوجين بعد بحث طويل ومرير ..ودقت ساعة الصفر .. وقالت الطبيبة لايمكننا أن ننتظر أكثر فالولد بات في خطر ولا بد من الولادة القسرية ، لابد أن يرى طفلك النور ، والحامي هو الله سبحانه ..

   وفرح الأبوان بالقادم الوليد، ورسمت على شفاه الأسرة بسمات البهجة التي لم تر عليها طيلة سنوات الحرب والحصار، وسمي الصغير حساما عله يكون سيفا مصلتا على رقاب الصهاينة الذين أذاقوا الأسرة مرارة الحياة إثر جريمة قتل أخيه بالقصف أيام حرب غزة ..

   ونشأ الطفل في أحضان الأسرة سعيدة به وهو بها سعيد، فهو يناغي تارة، وتارة يحبو ويلثغ، فتتحرك لأصواته وكلماته العِذاب القلوب وإن كانت الفرحة ينغصها تذكر المرض الوبيل، أو ظهور حالات الاختناق التي يتعرض لها الصغير بين الفينة والأخرى لثقب في قلبه رافقه مذ كان في بطن أمه .

   وأخبر الطبيب أن الصغير بحاجة إلى مستشفى تتوفر فيه أجهزة طبية لا توجد في قطاع غزة المحاصر، ولا بد من إجراء عملية جراحية مستعجلة له في مستشفى يسيطر اليهود على أرضه .

   وتقدم الأب الذي يعمل في لجنة حقوق الإنسان بطلب إلى السلطات الإسرائيلية، ولم يكن بمقدورها أن ترفض الطلب حفاظا على سمعتها أمام اللجنةن ولكنها راحت تعرقل الإجراءات القانونية لاستقدام الصغير بأن تطلب في كل مرة وثيقة جديدة، حتى نفذ صبر والده وقال :

-لماذا لاتطلبون ماتريدون دفعة واحدة ؟

-ولماذا تسأل ؟

-لو علقتم في لوحة المستشفى ما يطلب من أوراق ثبوتية لذوي الاحتياجات الخاصة .

-وهل انزعج خاطرك ؟

  قالتها الممرضة بسخرية مرة ، فأجابها الأب في حزن وغضب :

-الولد في صحة رديئة وتأخير علاجه قد يؤثر على حياته .. ألا يكفي أن الحصار حرمه العلاج جنينا ووليدا ؟ ..

-لمَ تلدون كل هؤلاء الأولاد ؟

-الله سبحانه يرزقنا إياهم .

-وما الضرر من نقصان واحد أو اثنين ؟ مفهوم ؟

  نظر الرجل إلى الصهيونية شزراً، ففهمت معناها، فقالت له :

-اذهب إلى المسؤول .

  وأمسكت الهاتف وتكلمت بالعبرية في حنق وغضب ..  وقال المسؤول :

-سيبقى ابنك هنا ريثما تحضر الوثيقة الناقصة على أن تدفع ثلاثة آلاف دولار .

  ووقّع الرجل على وثيقة المبلغ، وترك الصغير وخرج مسرعا وهو يأمل بنجاح العملية في الغد .

  وجاء فجر اليوم الثاني مع أم حسام التي صممت على الرغم من مرضها أن تكون مع صغيرها الذي لم يتجاوز السنة والنصف في هذا الظرف العصيب، ودفع المبلغ كاملاً غير منقوص، وأدخل الصغير غرفة العمليات وأبواه على الباب ينتظران ويدعوان...

  وخرج الطبيب بعد ثلاث ساعات ونظر إلى الأم نظرة ارتياب .. فبادرته :

-كيف حال حسام ؟

  لم يجبها الطبيب واستمر يسير إلى هدفه ..

  قلقت الأم ودفعت باب غرفة العمليات فحاولت الممرضة أن تمنعها من الدخول فما استطاعت أمام عاطفة الأم الثائرة، ولكنها لم تجد ابنها فصاحت :

-أين حسام ؟ أين ابني ؟

   وارتفع صوت نشيجها ودخل الأب ممتقع اللون وصمت الجميع وقال لهم :

- أين حسام ؟ لم لا تجيبون ؟

- هو في غرفة .. غرفة العمليات المركزة .

   وأمسكت الممرضة يد الأم وسارت، فظنت وزوجها أنها ستأخذهما إلى حيث يرقد الصغير، وفعلا قادتهما إلى حيث يرقد الصغير رقدته الأخيرة في كفن الموت ! ! ..

  وكشفت أمل عن وجه ابنها فانكبت عليه تقبله وتذرف دموعها ، وكذلك فعل أبوه ، وهل أغلى من الولد ؟ ..

  وأصرت الأب على أن يأخذ الصغير إلى بيته، وهناك اكتشف شقا في بطنه، وجيء بالطبيب فقال :

-الولد سرق كبده وطحاله ..

  وصاحت الأم :

-واحساماه .. قتلوك وادعوا أنك مت بالعملية الجراحية .

   واشتكى الأب إلى لجنة حقوق الإنسان واضيف إلى ملفاتهم جريمة أخرى .. ولات مجيب ..

   وكتبت الصحف أن حسام المظلوم سرقت أحشاؤه في عملية جراحية في مستشفى إسرائيلي .

   وطويت صفحة حسام الثاني كما طويت صفحة أخيه من قبل بجريمة صهيونية أخرى..

    وقال الشعب البائس وهو يعيد القصة ويكررها :

-لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لابد من طرد الصهاينة بالقوة .

وقال غيرهم :

-السيف أصدق أنباء من الكتب 

                         في حده الحد بين الجد واللعب .

وقال آخرون :

-لقد خاننا العالم كله ..

وسوم: العدد 657