من فقاقيع الجراييع
استيقظ السادسة إلا ثلثاً، المنبه لا يرن مُنذ أربعة أيام، الأولاد يغطون في النوم، ولابد من نشوب معركة حامية حتى ينهضوا، فاليوم مدرسة، مر العيد وفات دون ذكريات، أصيح عليهما، لا أحد يتقلب على الفراش. زوجتي دائماً تٌنقذني من هذا البلاء، ولكنها غافية، تستحلب النعاس، هرب العيد، أودعني التخاريف ، تنثال على ذهني أشياء، وكأن اليقظة في صُحبة المعسل لها مدلول ومذاق، يا عم لا تنس الأولاد، أهز أحمد في رتابة، يستعذب الكرى ، أجذبه بعُنف، يتكاسل، ربابة الشاعر تتماهى :
* يا ( أبو ) العين الكحيلة . والذبيبة الجميلة أنت اليوم في ضيقة وما باليد حيلة ·
يرفع رأسه من فوق الوسادة، ينثني، يجلس، يدفع بيديه المستندتين على المرتبة جسده المتقوس، يستوي قائماً، ينزل، في الذهن تصفيق حاد، ضجيج وتهليل، لواقط الصوت تنقل على الهواء أزيز الحدث ونبرات الزهو، وأبو زيد بن رزق بن نايل الهلالي يبقر بطن السماء بسيفه الباتر ولسانه ينثر الأهازيج :
أنا في الحرب عزم لا يلين .
حملي ناءت به الغرايب ·
في القلب هم لا يهين ·
ورسمي في الغرايب ( الغُر ... آيب ) ·(
صحا الولد أحمد، لم يغسل وجهه، شحط بنطلونه وقميصه، ومحمد أفندي ما زال فوق الكنبة بائتاً، أصيح عليه صيحة الزهقان :
قم يا ألعوبان ... يا حبهان من غير مستكة .
· يُعافر جنود النعاس، يشيل الرمص من موق العين، الولد محمد أفندي يغسل وجهه بالماء والصابون والشامبو ومعجون الأسنان . · والآن محمد وأحمد صاحيان وفي الشارع سائران وفي المدرسة تدُق الطبول ومُدرس الألعاب يُنظم الطوابير والولد محمد أفندي يقرأ نشرة الأخبار :
شارون يهزم القبائل،
اليهود يقتسمون السلايب .
· والولية مراتى تلهط عسلاً مع الملائكة تنام في اليوم يا سادة يا كرام عشرين ساعة بالعافية، مظلومة وغلبانة، وفي النوم سهرانة حتى القيالة، أرتدي الخـٌف والقميص ( أبو ) ياقة، وبنطلون ( أبو ) رجلين سادة من غير كُستر، وأقفل باب الشقة بالضبة والمُفتاح ( أبو ) سبع سكات، والعجلة أم عجلتين أـصعد، وشارع زنين أخلف، وخيام السوق أعبُر، لا باذنجان ولا فلفل أسود نافع، فالبطن يا مفجوع بالكعك والبسكويت مكبوسة، ناقصها بس حتى بسبوسة وكام قُرطاس ترمس وفول بالجبة البُنية لابت، سابت الركب ومن شارع إلى شارع والزحام على أشده سارع، فلا تعايرني ولن أعايرك، فالهم طايلني وطايلك، زُمارة وفارة وغنوة بليدة في صباح سعيد، وفي الشغل محمود بدوي فوق الكُرسي قاعد غندور وشعرن الأبيض بالكولونيا فائح وفي المكتب الفني سره بادع، رميت سلاماً، أطلقت ضحكة، وبالعين غمزت، قال لي: · مالك اليوم في الصُبح رائق ! ·
قُلت له :
· يا ريس دائماً أنا في الحُب شابك، اليوم أول دوام بعد العيد في القلب حلم بعيد، ربما يعود العيد وفي القلب عيد ! ·
رن الهاتف، وفي الهاتف حماتي قالت :
اليوم موعدنا ·
هرولت إلى البيت خائفاً وباللحاف لائذاً، وزوجتي بالنوم فائزة، حتى المكرونة في الطاسة مهرية، وأحمد ومحمد يرجعان من المدرسة بهدوم مقطوعة، قال أيه : عملوا مُظاهرة، وأحمد أبو لسان زالف قالى: · بابا لازم نبطل النوم .
تمت بحمد الله وتوفيقه
وسوم: العدد 677