خبث عجوز

كانت كلما سمعت الآذان تُصعق، وترتجف..وما تلبث ان تتمتم بصوت خافت وتلعن المتشددين الذين دائما ما تراهم على شاشات التلفاز  وهم يكبرون باسم الله قبل ذبحهم  وقطعهم لرؤوس الابرياء او  قبل ان يفجروا انفسهم في اماكن مأهولة بالناس ويقتلون المئات..هذه العجوز التي قارب عمرها الستين وبضع سنوات، لم تكن تؤمن بان هولاء من البشر، ولا حتى ان ما يَدَّعون بانه دين يمكن ان يكون من الله، لان الله بنظرها ليس مجرداً من الاحساس والشعور كي يرى كل ما يحصل ويصمت امام ذلك دون حراك.

  تصورها ذاك رافقها منذ نعومة اظافرها، وبالاخص حين غافلها القدر  واخذ منها كل من حولها وتركها وحيدة في حياة لاتمانع ممارسة العهر مع البشر طالما البشر تواقون الى ذلك وميالون الى اتباع الرغبات اكثر من اي شيء اخر، ولذلك كبرت على اللاايمان، وعلى كره كل ما يتعلق بالمتشددين، واتخذت لنفسها سبيلاً  يتناسب  مع نظرتها للحياة تلك النظرة التي تكونت جراء الفقد والحرمان والفقر، ولم تبالي يوماً بالاقاويل والاحاديث التي ينعتها الناس بها.. فاجرة، او بائعة الهوى " مومس- غانية"، او حتى من قبل المتشددين بالزانية.

  كانت على الرغم من كبر سنها تجلس كل يوم لساعات امام باب بيتها المتواضع بغرفه الثلاث ذلك البيت الذي ورثته من اهلها، حيث يغلب عليه النمط القديم، بسقفه المسطح، وباحته المفتوحة، مصبوغ بلون يمزج الاحمر بالاسود .. قاتم من الخارج.. ومن الداخل كانت الغرف تمزج اللون الابيض ببني فاتح.. والبيت من الخارج كان يوجد امام سياجه الخارجي بضع ورود اشجار مشتتة من جهة اليسار، وشبه مقعد كونكريتي في جهة اليمين.. وعلى ذلك المقعد كانت العجوز تلتقط انفاس العابرين، وتحاول ان تحرك فيهم ما يعبدونه منذ البدء، لتدخلهم في نعيمها الذابل، والمتمسك بالحياة من خلال ما تحويه غرفها الثلاث حيث فتيات شابات ونساء ارامل يعملن مومسات تحت جناجيها المثقلان بقيود الزمن والظروف، كل واحدة منهن تحمل في جعبتها قصة لايمكن لاحد ان يحكم عليها بالصحة والقبول او الرفض والكذب،فبعضهن كما يفصحن عن ذلك لمن يعاشرهن  يمارسن البغاء لكسب قوت يومهن وبعضهن لاينكرن فعل ذلك للمتعة، والعجوز نفسها لم تكن تتوانى عن تقديم خدماتها لمن يريد مع ان ورقتها كانت محروقة لعمق التجاعيد على وجهها وذبولها.

كانت تنام كل ليلة على وقع احلامها الوردية واصوات اهات وقهقهات بعض فتياتها في غرفها الاخرى، فظنت ان الحياة التي مارست معها العهر منذ نعومة اظافرها تكاد ان تعوضها بهذا النعيم الارضي حيث الرغبة والشهوة والمال والامان، وكل مادون ذلك عندها وَهمّ لايستحق التفكير به او الاهتمام به، ولكنها الحياة نفسها التي لاتعطي دون ان تفرض ضريبتها الوجودية على كل شيء،  جعلتها تستيقظ ذات صباح  على كابوس اسود يحيط بكل مكان حيث الدمار الصراخ والفرار، التفتت نحو فتياتها وقالت لهن ماذا يحصل ..؟ ، ردت احداهن لااعلم استيقظت لتوي كاتت ليلتي صعبة.. فصرخت بوجههن من يدري اذا..قال احد الزبائن اهدأي ايتها العجوز.. نظرت اليه بحقد..قالت اخرج انت.. لم تكمل كلامها حتى باحداهن تفتح الباب الخارجي وقد انقطعت انفاسها وهي تصرخ انجوا بانفسكم، قالت العجوز ماذا يحصل مابك..؟ قالت الارملة الجميلة ذات العيون الممتلئة والجسد المشدود والقوام النحيف التي فقدت زوجها في حادث مروري، وهي في ربيعها الثالث والعشرين، انها المدينة تنهار والناس يهربون يحاصرها رجال يحملون رايات سوداء يحرقون المدينة وينهبون كل شيء فيها، ولاشيء يوقف زحفهم، لم تعد هناك مقاومة سقطت كل القرى والاماكن التي حولنا، انهم مدججون بالاسلحة والحقد والكره والشهوة، حتى ان الكثير من الرجال تركوا عوائلهم بين ايديهم وفروا بجلدهم لانهم يقتلون الرجال دون النساء، وسمعت  زوج جارتنا تقول  لزوجته ان ابنه اتصل به وطلب منهم ان يفر وا بجلدههم  فالقرى التي حولنا والتي تدين بدين هولاء انضموا اليهم بعدما سقطت بايديهم واصبحوا الان  يشاركونهم في القتل والسبي،  قالت العجوز هل يكبرون حين يزحفون على الاماكن... ردت الارملة لااعلم .. لكن قال الرجل بان  بانه الذي تصل بهم قال بانهم اصحاب لحى وحين يهجمون يسمع صيحاتهم.. تنهدت العجوز وقالت.. من تريد ان تلحق بالفارين فلتذهب الان والا لن تستطيع بعدها على فعل شيء.. هربت الارملة تلك وفتاتين اثنين او ثلاث.. اعتقد بان احداهن كانت صغيرة جدا.. لان العجوز قالت  لها انجي بنفسك فانت مازلت يافعة وصغيرة سيرغبون بك اكثر من غيرك.. وبقيت الاخريات معها.. قالت لهن هولاء ليسوا عباد الله انما هم عبيد الجنس وسترون كيف يمكننا ان نحول رصاصهم الى ما بين ساقيهم.. لكن بالقليل من الصبر والتحمل..كانت العجوز من كثر حقدها على هولاء تتابع اخبارهم وتستعلم عنهم الكثيرين واستطاعت ان تكون عنهم نظرة خاصة بها.

 احتل السواد المدينة وفر من فر، وقتل من قتل، وبقي من بقي.. وفي خضم الوقت ساق اتباع السواد العجوز وفتياتها والكثيرات من بنات ونساء المدينة الى معسكرات خاصة وفصلوهن عن الرجال الذين تم ابادتهم على الاغلب.. وهناك حيث انين ووجع الكثيرات يفوق وجع الالهة المحرومة من اللذات.. استطاعت العجوز ان تصل الى احد اصحاب اللحى الطويلة الباحثين عن المتعة الدنيوية ظناً منهم بانها تقودهم الى المتعة في الحياة الاخرى التي يؤمنون بها.. صاح في وجه العجوز ماذا تريدين ايتها الكافرة.. خذوها بعيداً عني، قالت بصوت ممتلئ بالثقة لدي الكثير من ما تبحث عنه وتريده، نظر اليها وماذا تملك عجوز مثلك لم يتبق من عمرها سوى ساعات.. ابتسمت العجوز بخبث وردت لدي شهد الحوريات.. وقع اسم الحوريات كالصاعقة على سمعه، قال لجنوده دعوها تقترب، وبعد حوار لم يدم طويلاً .. قال لاحد المجندين لديه، اذهب معها وخذها مع حمولتها الى مكان الاقامة، حولت العجوز وجهتها نحو مجنداتها اللاتي لم يمانعن ممارسة العهر  الحياتي مع مدنسي القيم الانسانية والحياتية، طالما ذلك يبعد عنهن وباء التراب، انه لواقع اختياري على الرغم من قسريته،  واصبحن بعد ذلك يعملن في الكواليس على كسب المزيد من المتطوعات..  حيث يقمن ببث سمومهن في عقول الفتيات ويجعلوهن يعتقدون بان ممارسة البغاء مع هولاء خير وسيلة لمنعهم من قتلهن ورميهن في العراء او من بيعهن في اسواق النخاسة.