إخلاص فتى
لآلام ألمت بها نتيجة الحمل ، راجعت العيادة النسائية في المستشفى ، وبعد الفحص والتصوير والتحليل قرر الأطباء ، أنه لابد من اسقاط الجنين لانقاذ الأم .
قالت : لا ، لن أرضى باسقاط الجنين فهو حلمي وأملي .
حان موعد الولادة ، دخلت المشفى ، وفي غرفة العمليات أجريت العملية لاستخراج الجنين .
خرج الطبيب من غرفة العمليات وقال : المولود ذكر وبصحة جيدة ، وقد أجرينا اللازم للأم وهي في غرفة الانعاش .
تم انعاشها ونقلت الى غرفتها وأفاقت من غيبوبة المخدر ، طلبت رؤية الجنين ، فأحضر لها ، قبلته ، وقالت : حبيبي وزهرة عمري ، أفديك بروحي ، وكانت آخر نظراتها ، وآخر كلمة نطقت بها .
فارقت الحياة ، وتم الدفن وقبلت التعزية في دارها ، وانتقلت حضانة الطفل الى جدته التي كانت تعيش في بيت ولدها .
أبدت الجدة العناية الفائقة بالطفل ، فكانت تحنو عليه كأم ولدته ، كيف لا وهي الأم الكبيرة للجميع
شب الطفل ونما وترعرع، وليس في ذاكرته سوى صورة أمه المعلقة على الجدار ، وصورة جدته المربية التي أفنت حياتها في سبيل تنشئته .
تزوج أبوه من صديقة والدته ، كانت عطوفة كريمة ، أحبت الفتى ورعته أيضا مع جدته .
وهكذا عاش الفتى في كنف والد بار وجدة عطوف وزوجة أب كريمة ، واخوة وأخوات اتخذوا منه مثالا للجد والأخلاق وتحصيل العلم
كان هاجسه خلال سني حياته مرض والدته وموتها في سبيل بقائه حيا ، فكيف يرد الجميل لمن فضلت حياته على حياتها ، ماتت ليعيش .
بعد تفكير جهيد قرر أن يكون طبيبا نسائيا لانقاذ أرواح النساء ولمساعدتهن في الحمل والولادة .
وهكذا درس الطب وتخصص في أمراض النساء ، فأبدع في اختصاصه ، وأصبح علما يشار اليه ، ووضع نظريات جديدة في الولادة وعقابيلها ، وحاضر في جامعات عالمية ، ونال اعجاب وتقدير الجميع .
كان يعالج الفقراء مجانا ، وألأشد فقرا كان يدفع لهم ثمن الدواء ، كما كان متزنا في تعامله مع المرضى والمرض .
وفاء لوالدته التي ضحت من أجله بحياتها ، وتخليدا لذكرها ، بنى جامعا باسمها ، تقبل الله عمله ، وجعله مثوبة في صحيفتها .
هذا اخلاص فتى لوالدة ضحت بحياتها من أجله ، فكيف حال من يضحي بوطن وشعب من أجل نفسه ...... ؟ أحرق الدار والديار ، ألحق بشعبه التهجير والعار ، مكن الغريب من القريب ، استعان بالغرباء على القتل والتدمير والنهب والفناء .
اللهم أذقه ماأذاق شعبه . اللهم آمين .
وسوم: العدد 704