بينس يؤكد عداء أمريكا للعرب
واضح أن زيارة بينس نائب الرّئيس الأمريكي للمنطقة تحمل في طيّاتها أكثر من رسالة، لا علاقة لها بالسّلام، ولا بمشاريع لحلول الصّراع الشّرق أوسطي، لكنّها تحمل في طيّاتها أنّ أمريكا تخطّط لتغذية الصّراع ليمتدّ لعقود قادمة، وإذا كان وعد بلفور في نوفمبر 1917 قد أدخل المنطقة في صراعات لا تزال قائمة بعد قرن من صدوره، فإنّ الوعد الأمريكي الذي يعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل سيقود المنطقة لصراعات قد تمتدّ لقرن آخر أو يزيد. وقد تدخل المنطقة في حروب دينيّة لا نهاية لها.
وزيارة نائب الرّئيس الأمريكي جاءت تحمل ضغوطات جديدة على العرب، وتأكيدا جديدا على عدم تراجع أمريكا عن قرارها الجنوني بخصوص القدس، وفي نفس الوقت جاءت لتؤكّد على قرارها للاسرائيليّين من على منبر البرلمان الاسرائيلي "الكنيست". ولتؤكّد من جديد أن لا فرق بين اسرائيل وأمريكا في العداء لدول وشعوب المنطقة، والهروب من متطلّبات السّلام العادل والدّائم الذي تنشده الشّعوب.
وأمريكا كامبراطورية عظمى تمثل شرطيّ العالم، دولة تمارس الارهاب العالميّ وترعاه، فهي المسؤولة عن اشعال عشرات الحروب في العالم، وهي التي أنشأت ورعت منظّمات ارهابيّة كالقاعدة وداعش وأخواتها، تعلم علم اليقين أنّ لا دولة فلسطينيّة دون القدس، وما حديث أمريكا عن حلّ الدّولتين الذي يحظى باعتراف دول العالم، إلا من باب العلاقات العامّة، لأنّها تعي تماما وتموّل الاستيطان الاسرائيلي في المناطق الفلسطينيّة المحتلة لفرض حقائق ديموغرافيّة على الأرض ستجعل قيام الدّولة الفلسطينية مجرّد خيال يستحيل تطبيقه على أرض الواقع.
وأمريكا التي لم تكن يوما راعيا حقيقيّا للمفاوضات بين السّلطة الفلسطينية واسرائيل، لم تخرج نفسها من العمليّة السّلميّة باعترافها بالقدس عاصمة لاسرائيل فحسب، بل كشفت عن أنيابها وأعلنت اصطفافها إلى جانب حكومة بنيامين نتنياهو اليمينيّة المتطرّفة، بل انّها ظهرت أكثر تطرّفا من اليمين الاسرائيلي الحاكم. وهذا يشير إلى أنّها ستواصل سياستها بالتّنكّر للحقوق الفلسطينيّة بشكل خاصّ والعربيّة بشكل عامّ. وكلّ ذلك يجري وسط صمت عربيّ رسميّ لا مبرّر له.
وإذا كانت أمريكا ترى أنّ مصالحها في المنطقة مؤمّنة من خلال اسرائيل قويّة، وعرب ضعفاء، فإنّ كنوزها الاستراتيجيّة في المنطقة ترى أنّ بقاءها في الحكم مقدّم على مصالح أوطانها وشعوبها. لكنّ أمريكا واسرائيل، و"كنوزهما الاستراتيجيّة" سيدركون متأخّرا أنّهم لن ينعموا بالاستقرار والأمن، ما داموا يتنكّرون لحقوق الشّعوب، وفي مقدّمتها حقّ الشّعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه، وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف، وإيجاد حلول عادلة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيّين حسب قرارات الشّرعيّة الدّوليّة. وقد أثبتت تجارب التّاريخ أنّ القويّ لا يبقى قويّا ولا الضّعيف يبقى ضعيفا، فكثير من الامبراطوريّات انهارت، وكثير من الشّعوب المهزومة صحت من غفوتها، وتخلّصت من هزائمها، فإرادة الشّعوب لا تقهر.
وسوم: العدد 756