عواملُ تَوحُّشِ الحوثيين!!!

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

لكي نفهم الطبيعة الإجرامية للحركة - وبالأصح العصابة - الحوثية، ينبغي أن نتعرف على البيئة الجغرافية والاجتماعية والثقافية التي وُلدت فيها وخرجت منها، والتي ساهمت في صياغتها وصناعتها بهذه الصورة المرعبة، وساهمت في تشكيل وعيها وفي خلْق توجهاتها الإرهابية الحالية، بصورة فاجأت كثيرين ورسمت في أذهانهم العديد من أسئلة الاستغراب وعلامات التعجب !.

وفي المبتدأ نؤكد أن عوامل عديدة قد تضافرت في خلْق هذه الصورة الوحشية، وفي جعل الحوثيين نسخة منقطعة النظير من البشاعة المتعدية لكل الحدود، ومن الإجرام الذي فاق كل التصورات، ولاسيما إذا قسناهم بمواطنيهم اليمنيين الذين يفيضون رحمةً ويتصبّبون عاطفةً، فلقد وصفهم الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم "أرَقُّ قلوباً وألْيَن أفئدة"، والحقيقة أن من يعرف طبائع اليمنيين في مقابل متابعته لبَشاعات الحوثيين؛ يشعر وكأن هذه العصابة قد هبطت من كوكب مرعب بعيد، أو أنها انبعثت من طبقات الجحيم الأسود، فهي لا تَمتّ بصلة لثقافة اليمنيين المتسامحة، ولا تُوقِّر أعرافهم الاجتماعية التي يُظللها التعارف والتآلف، حيث تحترم النساء والأطفال والضعفاء ولا تقترب منهم مهما بلغت الحرب مع الخصوم!

ويمكن تلخيص أهم عوامل ذلك التوحّش في النقاط الآتية:

1-    الخروج من رَحِم الجهل الأعمى:

لاهشكّ بأن اليمن في هذا العصر يعاني من تخلف عميم، أبرز مظاهره وأسبابه هو الجهل، لكن محافظة صعدة التي ينتمي إليها أهم مؤسسي هذه العصابة هي أكثر المحافظات اليمنية جهلاً وتخلفاً، فرغم أنها تقع في أقصى شمال اليمن عند الحدود مع السعودية لكن نسبة الأمية الأبجدية فيها تزيد عن 80% من إجمالي السكان، فما بالك بالأمية الفكرية والثقافية؟ ولذك فقد صارت بيئة خصبة لاستزراع أفكار الشرور والشذوذ!!

2-    الانبعاث من بين براثن الفقر والبطالة:

تعاني أعداد كبيرة من أبناء اليمن من البطالة والعطالة، بسبب عوامل كثيرة أهمها فساد النظام الذي ظل يحكم البلد منذ عقود وفق سياسات فاسدة تسببت في التهام الأخضر واليابس من مقدرات هذا الشعب، وجعلت المال دُولةً بين الفاسدين، وتُعدّ محافظة صعدة من أشد المتضررين من هذه السياسات، وبسبب ذلك انتشر الفقر وشاعت الأحقاد، وصار كثيرون يقتاتون من تهريب الممنوعات إلى السعودية وعلى رأسها المخدرات ونبات القات والعمالة غير المدربة وغير النظامية، سواءً من اليمنيين أو من النازحين من دول القرن الإفريقي، بجانب قيام كثيرين بالسرقة وقطع الطرق والارتزاق من الحروب القبلية والثارات التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد!

3-     الخروج من بطون الملازم الصفراء:

تخبرنا وقائع التأريخ بأن أنصاف المتعلمين أخطر من الجهلة، وهذا ما وقع في صعدة فإن مؤسسي الحركة الحوثيين لا يمتلكون نصيباً مقدراً من العلم.

ومن هنا تبدأ مأساة اليمنيين مع هذه العصابة التي خرجت من رحم التخلف المقيت، ومن بطون الملازم الصفراء والتي تم تلقينها لأناس أميين أو أنصاف متعلمين في أحسن الأحوال. ويكفي أن نعرف أن قائد الحركة عبدالملك الحوثي نفسه لا يحمل أي مؤهل دراسي، وكان سائق سيارة لشقيقه يحيى الحوثي الذي كان أيضاً بدون مؤهلات، لكنه دخل البرلمان بسبب انتمائه للحزب الحاكم ( المؤتمر الشعبي العام) وعن طريق رشوة الناخبين واستثارة عصبياتهم وغرائزهم المختلفة، والعجيب أنه صار بعد الانقلاب وزيرا للتربية والتعليم في الحكومة الانقلابية!

وفي نظرة فاحصة للسيَر الذاتية لقادة هذه العصابة سنجد أن أغلبهم لا يحملون أي مؤهلات دراسية، غير دروس الأب بدر الدين الحوثي الذي كان من مراجع الفرقة الجارودية التي تستوطن صعدة منذ قرون، وهي النسخة التي تمرّدت على المذهب الزيدي، وظلت تتمسّح باسمها رغم أنها صارت أقرب إلى الشيعة الاثني عشرية، في مسائل عدة، أهمها: تكفير أهل السُّنة، وتفسيق الصحابة، وقذف عائشة بالزنى، ولعن معاوية، والحقد على الدول السُّنية من الأمويين والعباسيين إلى السلاجقة والعثمانيين، والزعم بأن الحكم حكر على أولاد علي بن أبي طالب المنحدرين من فاطمة أي من الحسن والحسين، وهو ما يسمونه بحَصر الحُكم في البَطنين! وبجانب ذلك فقد تتلمذوا على ملازم ابنه حسين بدر الدين الحوثي وهو مؤسس الحركة، والذي كان يحمل شهادة جامعية متواضعة، وكان بصدد تحضير الماجستير في السودان، بجانب الدورات التعبوية التي أجريت لأكثرهم في إيران ولبنان وسوريا والعراق، ولأن حسين يملك شهادة جامعية فقد صار في بلاد العُميان (قرآناً ناطقاً) كما يلقبه الأتباع!

 4 - الانسلال من الثقافة السلالية

ينحدر أغلب قادة الحوثيين من أُسَر هاشمية ترى بأن السلطة حقها الحصري الممنوح من الله، وأن هذا الحق قد سلب منها منذ قيام ثورة 26 سبتمبر سنة 1962 التي قامت ضد الحكم الإمامي الكهنوتي، وأعلنت قيام الجمهورية التي اتكأت على الشريعة الإسلامية في إرساء قيم الحرية والمساواة والعدالة والتكافل الاجتماعي، وألغت الامتيازات السلالية والمناطقية والفوارق الطبقية والمذهبية.

ولمّا كان الرعيل الأول من الحوثيين بدون حظ مقدّر من العلم، وينتمون إلى أكثر المناطق اليمنية تخلفاً وبعداً عن النظام وسلطة الدولة، ولمّا كانوا يعتقدون أن السلطة حقهم الإلهي الممنوح لهم من السماء؛ فقد نشأوا ناقمين على المجتمع اليمني، ثائرين على عاداته وتقاليده، والطريف أن الإيرانيين يعرفون هذا الأمر، ولذلك أطلق عليهم أحد الساسة الإيرانيين مصطلح شيعة الشوارع!

 5 - الانحدار من بطون التعصب القبلي:

ينحدر أغلب قادة المليشيا الحوثية من قبائل عاشت ردحاً من الزمن في دوامات العنف والاقتتال لأتفه الأسباب على نمط داحس والغبراء أو حرب البَسوس، حتى أصبحت ثقافتها تتجاوز ثقافة الجاهلية في تمجيد سطوة القوة واعتناق ثقافة العنف، وفي تزيين الاعتداء على المنافسين وتجميل الغدر بالخصوم، بل واجتثاث الآخر عموماً، بما يشبه شرائع الغاب وقوانين البحار، وهناك أمثال كثيرة شائعة في هذه المناطق تُجسّد هذه الثقافة العدوانية، وللأسف فإن هذه الأمثال يتم تقديسها أكثر من نصوص القرآن والحديث النبوي عند كثير من أبناء التيارات التقليدية!

 6 - الانبجاس من قسوة الطبيعة:

وينتمي العدد الأكبر من هذه العصابة إلى مناطق تتسم بتضاريس شديدة الصعوبة، حيث الجبال القاسية والأمطار الشحيحة، وحيث تندر الموارد وتتسيّد ثقافة الصراع، مما طبع هؤلاء بالقسوة ودمغهم بالشدّة، ودفعهم للترزّق من خلال حمل السلاح مع من يدفع أكثر، بل والتباهي بقطع الطرق واحتقار المهن، لدرجة أن بعض القبائل لا تزوج الذي يعمل في التجارة وتناديه بالبَيَّاع على سبيل الازدراء والانتقاص، فما بالك بغيرها من المهن؟!

 7 - الاحتضان الإيراني والدعم الخارجي:

لقد تضافرت العوامل الداخلية السابقة في تشكيل هذه الطبيعة الإجرامية للعصابة الحوثية، وتعاونت مع عدد من العوامل الخارجية، وعلى رأسها الاحتضان الإيراني لمجاميع من هؤلاء وعمل غسيل عقول لها، عبر حشوها بأساطير الماضي وأطماع الحاضر وتفخيخها بأوهام الآتي وأماني المستقبل، وعبر تعبئتهم بثقافة الحقد والكراهية ضد كل من ليس معهم، وتدريبهم على طرائق القتل وفنون الحرب، ودعمهم بالمال والإعلام والغطاء السياسي، وإمدادهم بمعامل صناعة الألغام والذخيرة وبالمدربين والموجهين، وتمنيتهم بحكم الجزيرة العربية كلها! وقد استفاد الحوثيون من خبرات المليشيات الشيعية في العراق، في جوانب كثيرة ولا سيما ما يتصل بإرهاب الخصوم وإرعاب حتى الحلفاء الذين لم يدخلوا حظيرة الطاعة العمياء، واستفادت من سمعة حزب الله المتصلة بالحرب من إسرائيل، وذلك في تسويق نفسها لدى الاتجاهات الثورية داخل القبائل اليمنية وعند مجموعات من اليساريين والقوميين، واستفادوا من إمكاناتهم الإعلامية والتعبوية، وخبراتهم في تصنيع الألغام وشن حروب العصابات!

 وسنختم بما بدأنا به، إذ بعد معرفتك أيها القارئ الكريم لهذه العوامل، لا أظنك ستستغرب عندما تعرف بأن قادة هذه العصابة من غير مؤهلات علمية، ما عدا الذين ينتمون إلى محافظة إب ولاسيما آل الشامي وآل المتوكل وآل العماد)، ولن تستغرب أن أكثر الذين يُمسكون بمقاليد اليمن بعد الانقلاب كانوا يعملون في مهن بسيطة أو لصوصاً أو عاطلين بلا عمل، وعلى سبيل المثال فإن قائد الجماعة عبد الملك الحوثي، الذي صار في غفلة من الزمن (آية الله) و(قرآناً ناطقا)ً إنما كان مجرد سائق سيارة، ومحمد على الحوثي رئيس اللجان الثورية بعد الانقلاب كان بائعاً لنبات القات، وأبو علي الحاكم قائد الحرس الجمهوري والقائد العسكري الأبرز للحوثيين كان لصاً صغيرا،ً وقد سُجن بسبب ذلك أكثر من مرة، حيث كان يسرق الساعات واليوم صار يسرق أعمار الآلاف من شباب اليمن!

____________

أ.د. فؤاد البنّا،رئيس منتدى الفكر الإسلامي،أستاذ العلوم السياسية جامعة تعز.

وسوم: العدد 761