الإسلاميون.. فائض صدامي؟!

بعض المحسوبين على الإسلاميين من أنصار الانقلاب العسكري الدموي الفاشي، يرتكبون في سياق سعيهم للتعبير عن ولائهم الرخيص جرائم عظيمة؛ بتضليل الناس والتدليس على الواقع والتضحية بالحقيقة وتجريم الإسلاميين بل الإسلام نفسه، فالإسلاميون لا بواكي لهم، والإسلام يتيم على مآدب أهله؛ فضلا عن الصليبيين اللئام.

يتساءل بعضهم: لماذا لا يعبأ العالم وخاصةً الديمقراطي، الذي يعلي من حقوق الإنسان.. بالانتهاكات المروعة التي يتعرض لها الإسلاميون؟! ولا يتعاطف مع قضاياهم ولو كانت عادلة؟! لماذا يعادي العالم الإسلاميين؟!.. ويجيب المتسائل: أن المدهش هو ردود الفعل، التي تعكس استبطانًا بأن الإسلاميين هم "الأمة" وليسوا جزءًا منها.. فعندما يعادي العالمُ الإسلاميين، يعتقد الإسلاميون تلقائيًا.. بأنه يعادي المسلمين كأمة! ويشرح ذلك: ممارسات الإسلاميين، تبدو وكأنهم حصلوا على "تفويض" من الأمة.. فهم "المفوضون" ـ كما يعتقدون ـ بإعادة الخلافة وأسلمة المجتمع.. راجع ـ مثلاً ـ موقف الإخوان الآن، من الشعب المصري، بعد الإطاحة بـ"مرسي"، وفض اعتصام رابعة!

ويضيف المتسائل: النظام الدولي القديم، القائم على الغزو والتوسع "الإمبراطوري"، لا يزال حاضرًا وبقوة في العقل الجمعي "الإسلاموي"، ويرى: أن "داعش" هو النموذج الأسوأ والأكثر دموية ووحشية، ولكنه في واقع الحال، هو سليل هذه العقيدة السياسية.. فإذا كانت عند "داعش" ضرورة "عاجلة"، فإنها "مؤجلة" عند ما يسمى بالتيارات الإسلامية المعتدلة. وهذا يثير فزع النظام الدولي الحالي، وكراهيته للإسلاميين عمومًا، وتحمله على السكوت والرضا، على ما يتعرضون له من انتهاكات متباينة، من بينها القتل والتصفية خارج القانون، باعتبار ذلك، ممارسة "مشروعة" ضد قوى "شريرة" و"ظلامية" معادية للعالم وللنظام الدولي، وللإنسانية في المحصلة النهائية. على الإسلاميين- كما يظن- أن يعيدوا تقديم أنفسهم من جديد للعالم، كقوى محبة للسلام والتعايش.. وليست فائضًا إنسانيًا صداميًا ومعاديًا له.. حال شاءوا أن يكونوا جزءًا منه!

ونحن هنا أمام خلط عجيب، وأحكام تقريرية صارمة لا تقبل النقض من وجهة النظر الموالية للانقلاب العسكري الدموي الفاشي، فالإسلاميون لم يزعموا أنهم الأمة، ولم يدعوا ذلك في يوم من الأيام، ويصفون أنفسهم في الجماعات المعتبرة بأنهم دعاة أو هداة لا قضاة، والعالم الديمقراطي مشكلته مع الإسلام وليس الإسلاميين، فكل مسلم مستهدف من هذا العالم الذي له اسم حقيقي هو "العالم الصليبي"، لأنه يحمل الروح الصليبية في تربيته وتعليمه وتاريخه وجغرافيته، وهي الروح التي تجلت في مقولة جورج بوش الابن ( إنها حرب صليبية) عند عدوانه على العراق الذي قتل فيه مليون شهيد ليسوا من الإسلاميين، ولكنهم من عامة المسلمين، كما تجلت من قبل ومن بعد في قتل نصف مليون مسلم أفغاني على يد الصليبيين الروس والأميركان وأتباعهم، وقتل مئات الآلاف في الصومال وليبيا وسورية ومالي وإفريقية الوسطى بأيدي الصليبيين ووكلائهم، وهؤلاء يسكتون على ضحايا الروهينجا مع أنهم ليسوا من الإسلاميين. ومن قبل قتلوا أكثر من مائة ألف من مسلمي البوسنة بوساطة الصرب والكروات الصليبيين، وهو ما ذكّرت به المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أخيرا، حين حكمت على جزار البوسنة راتكو ميلادتش بالسجن مدى الحياة، وأدانته بجرائم الحرب والإبادات الجماعية العديدة؛ أشهرها مذبحة سربرينيتسا التي قتل فيها قرابة 8500 بوسني مسلم عام 1995، فضلا عن حصار سراييفو  بالقصف والقنص والقتل والاضطهاد والتعذيب،  وكان رد السفاح الشهير متوقعاً؛ فقد سبّ القضاة بشتائم مقذعة واتهمهم بالكذب، لأنه يرى ما فعله أمرا عاديا قام به كثيرون من أمثاله من سفاحي الصرب الصليبيين، إنهم يعدون ممارساتهم الدموية الفظيعة مسألة طبيعية تسوغها حقوق قوميّة أو دينيّة أو جغرافية، ومثلهم في ذلك اليهود الغزاة في فلسطين المحتلة حيث يزعمون أن التوراة تمنحهم حق ارتكاب المذابح الدموية في حق المسلمين لأن فلسطين أرضهم بالحق الإلهي، ويفعلون ذلك تحت غطاء من الدعم الصليبي الذي لا يرى في وجود الغزو اليهودي لفلسطين وسيلة قهر وتعذيب للمسلمين في العالم العربي.  

لم يكتف الصليبيون بقتل المسلمين بأيديهم، فصنعوا وكلاء سفاحين على أعينهم تفوقوا على راتكو ميلاديتش من أمثال بشار ورفاقه في عواصم البلاد العربية، وسكتوا عن ممارساتهم الدموية والقمعية لأن الضحايا مسلمون وليسوا إسلاميين!

لقد أعرب مسلمون في البوسنة فقدوا أحباءهم في مذبحة سربرنيتشا عام ١٩٩٥ عن عدم اعتقادهم بكفاية حكم السجن مدى الحياة الصادر بحق القائد السابق بجيش صرب البوسنة إبان الحرب راتكو ملاديتش، لإدانته بارتكاب إبادة جماعية.

وتساءلت فاسفا إسماعيلوفيتش - ٧٤ عاما - لـ«رويترز» : «هل هناك أي عقاب مناسب لشخص ارتكب كل هذه الجرائم؟» علما بأن زوجها وزوج ابنتها وأقارب آخرين كانوا بين أكثر من ثمانية آلاف رجل وصبى مسلم تم ترحيلهم بعيدا وإعدامهم بالرصاص بعد أن طمأن ملاديتش قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والسكان المحليين بأنه لن يمسهم أذى عندما حاصرت قواته البلدة. وقالت فاسفا إسماعيلوفيتش والدموع في عينيها بينما كانت تشاهد بثا تليفزيونيا لمحاكمة ملاديتش:

«لا توجد كلمات تصف شعوري. أنا غاضبة. كل هذا جاء متأخرا».

إن الصليبيين لن يقبلوا بالإسلاميين، إلا إذا اتبعوا ملتهم، وصدق الله إذ يقول: "وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (البقرة: 120).

حل المشكل بين المسلمين( وليس الإسلاميين) والصليبيين، لا يأتي بإعادة تقديم الإسلاميين أنفسهم من جديد للعالم، كقوى محبة للسلام والتعايش.. وليست فائضًا إنسانيًا صداميًا ومعاديًا له.. حال شاءوا أن يكونوا جزءًا منه! فالمسلمون ليسوا بالضرورة محتاجين أن يكونوا جزءا من العالم الصليبي، وهو يعلم أنهم محبون للسلام من قمة رءوسهم حتى أخمص أقدامهم، ويتمنون أن يرحل الصليبيون بجيوشهم واسلحتهم الجوية والبرية والبحرية من بلادهم ويتركوهم ليعيشوا في أمان، ثم يأخذوا معهم عملاءهم ومخابراتهم وجماعاتهم، وسوف يذهب إليهم البترول وأموال البترول إلى عتبات موانيهم وبنوكهم، فقط يريدون أن يتوقف القصف والتعذيب والتهجير وصناعة الجماعات التي تمثل مسمار جحا الذي يمنحهم التدخل وتجييش الجيوش الصليبية وخدامها لقتل المسلمين بلا ذنب ولا جريرة!

قليلا من العقل يا أنصار الانقلاب العسكري الدموي الفاشي الذي يصادق اليهود والصليبيين معا!

الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!

وسوم: العدد 767