ما المانع من رفع شعار وجدة حاضرة زيري بن عطية عاصمة الثقافة العربية والإسلامية ؟؟

بالرغم من أن سواد الأمة العربية في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج يدين بدين الإسلام الذي يطبع ثقافتها العربية  ، فإن البعض ينعت هذه الثقافة بالعربية فقط ، ولا ينعتها بالإسلامية أو لا يجمع لها النعتين معا، الشيء الذي يثير التساؤل التالي : ما المانع من أن تكون حاضرة زيري بن عطية عاصمة الثقافة الإسلامية إلى جانب كونها عاصمة الثقافة العربية ؟

فمن المعلوم أنه من الصعب الفصل بين ما هو عربي، وما هو إسلامي في ثقافة هذه الأمة  التي  هي عربية  ، و في نفس الوقت إسلامية . ومعلوم أن وصف ثقافة هذه الأمة بالإسلامية يوسع من دائرتها لتشمل ما هو عربي ، وما هو غير عربي لأن الإسلام يحتضن مختلف الأجناس والأعراق ، ومن ثم يحتضن ثقافاتها المختلفة . ولقد جاء الإسلام ليسم مختلف الثقافات بميسمه دون أن يفقدها خصوصياتها المميزة . وفي اعتقادي أنه لا يمكن المجازفة بالقول أن الشعوب العربية لها ثقافة واحدة ، والواقع أن الأمر يتعلق بثقافات متعددة لها ما يجمعها ،كما أن لها ما يميزها عن بعضها البعض ، والذي يجمعها هو الطابع الإسلامي ، بينما الذي يميزها هو اختلاف البيئات العربية  . فالبيئة العراقية لها ثقافتها ، والبيئة الشامية لها ثقافتها ، والبيئة الخليجية لها ثقافتها ، والبيئة المصرية والسودانية لها ثقافتها ، والبيئة اليمنية لها ثقافتها ، والبيئة المغاربية لها ثقافتها ، فالقضية إذن قضية ثقافات، وليس قضية ثقافة واحدة ، والذي يقرب بينها هو بصمة الإسلام . فإذا تأملنا على سبيل المثال لا الحصر تقاليد وعادات هذه البيئات وهي من مظاهر الثقافة نجد تباينا واضحا بينها، ذلك أن تقاليدها وعاداتها  في أفراحها وأتراحها وأنماط عيشها اليومية مختلفة ،بل قد تختلف على مستوى البيئة الواحدة حسب جهاتها ، فالبيئة المغاربية مثلا ليست عاداتها وتقاليدها واحدة، بل ليست عادات وتقاليد الجهة الواحدة منها واحدة أيضا . وما يبدو واحدا أو متقاربا من هذه العادات والتقاليد في هذه البيئة المغاربية إنما يعزى للمسة الإسلام ، وهي لمسة تقرب المسافة بين عادات وتقاليد البيئة المغاربية ،وبين عادات وتقاليد غيرها من البيئات العربية الأخرى، بل وحتى غير العربية. ولهذا كان من المفروض أن تعطف صفة الإسلامية على صفة العربية عند الحديث عن ثقافات البيئات العربية . ولن يؤثر ذلك  في خصوصياتها حيث يكون بالإمكان التمييز بسهولة بين هذه الخصوصيات ، وفي نفس الوقت إدراك الجامع الإسلامي بينها . ولنضرب كمثال على ذلك بالعادات والتقاليد التي تصاحب عبادة الصيام ، فإذا كانت هذه العبادة توحد شعوب البيئات العربية، فإن التقاليد والعادات المصاحبة لها تختلف ،وتتميز عن بعضها البعض بل تختلف  حتى داخل البيئة الواحدة أو القطر أوالجهة فيها ،بحيث تجتمع تلك البيئات على إفطار وسحور  تفرضهما عبادة الصيام ، وتفترق في نوع الوجبات أو الأطعمة ، والأشربة ، وكيفية إعدادها ، وكيفية تقديمها ، وكيفية تناولها ...وكل ذلك من مظاهر الثقافة . وعلى هذا المثال تقاس باقي الأمور الأخرى التي يوحد فيها الإسلام بين مختلف البيئات العربية ،بينما تتمايز  فيما بينها بمظاهرها الثقافية المصاحبة لها . ولهذا كان الأجدر أن  تختار مدينة وجدة عاصمة للثقافة العربية الإسلامية ، فتكون المظاهر الثقافية العربية  المعبر عنها بشتى التظاهرات متنوعة بتنوع البيئات العربية  لكن يكون الناظم لها هو الصبغة الإسلامية . فحين تكون التظاهرة على سبيل المثال تظاهرة إنشاد ديني تكون تجليات الصبغة الإسلامية في مضمون الإنشاد بينما يكون التنوع في أشكاله حسب الخصوصيات الثقافية لكل بيئة عربية .

وإذا كانت لفظة " عاصمة " تفيد المكان الجامع أو المركز ، فاعتبار مدينة الألفية عاصمة للثقافة أو بالأحرى الثقافات العربية المصبوغة بالصبغة الإسلامية، يعني أنها ستستعرض في تظاهراتها خلال حول كامل كل المظاهر الثقافية للبيئات العربية أنماط  وأساليب عيش  وتقاليد ، وعادات ، وأطعمة وأشربة ، وألبسة ، وهندسة معمارية ، و فكر ،و فنونا ، وآدابا ، وعلوما ، وسلوكا ... إلى غير ذلك مما يحسب على الثقافة . ولا بد أن يحصل في عاصمة الثقافات العربية التي يغذيها الإسلام تلاقح  بينها ،فتزداد الأواصر بينها إلى جانب ما يوفره لها الإسلام من تقارب . ولا معنى لاكتشاف  مختلف المظاهر الثقافية الخاصة بمختلف البيئات العربية ، وعرضها بشكل أو بآخر في هذه العاصمة دون أن تترك أثرا فيها بعد أن ينتقل المشعل في موسم قادم إلى حاضرة أخرى .

 ولقد كان للإسلام دور كبير في نقل تلك المظاهر الثقافية  من بيئة عربية إلى أخرى بل حتى من بيئات غير عربية بطريقة سلسة لا يكاد أحد يحس بها أو يلقي لها بالا ، وكمثال على ذلك نذكر موسم عبادة الحج السنوي الذي يساهم في تلاقح ثقافات الشعوب المسلمة، فتنتقل مظاهرها من بيئة إلى أخرى ، ثم يمضي عليها زمن فتندمج في أنسجتها الثقافية ، وهو ما عبر عنه الوحي في سياق الحديث عن عبادة الحج بقوله تعالى : (( ليشهدوا منافع لهم )) . ولا بد أن يحصل شيء من الانتفاع من خلال  تبادل المظاهر الثقافية بين البيئات العربية على غرار ما يحدث في موسم الحج  حين تكون مكة المكرمة عاصمة تلك الشعيرة الدينية .

وأخيرا نتمنى ألا يكون إسقاط صفة الإسلامية من  شعار عاصمة الثقافة أو الثقافات العربية  لما تم اخيار حاضرة زيري بن عطية  لتكون كذلك فعلا متعمدا أو مقصودا وراءه خلفيات غير معلنة . كما نتمنى أن يواكب الإعلام كل التظاهرات التي تشهدها هذه المدينة وما حولها ليصل صداها أولا بأول إلى باقي البيئات العربية خصوصا مع تطور وسائل التواصل المقربة للمسافات والذهنيات أيضا .

ونتمنى كذلك أن تعبر ساكنة مدينة وجدة  عن انطباع جيد من خلال سلوكات راقية  تكون في مستوى الحدث ، وفي مستوى الشرف الذي حظيت به مدينتها.

وسوم: العدد 769