الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة خمسة ناقص واحد
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
هل ستنسحب واشنطن من الاتفاق النووي ؟ وما هي تداعيات ذلك في حال صدقت تهديدات (ترامب) بإطلاق رصاصة الرحمة على هذا الاتفاق ؟.. وهل يصب ذلك في صالح الجناح المحافظ، ويسهم في الإطاحة بأحلام الإصلاحيين الذين يفتخرون بأنهم أصحاب شرعية إبرام هذا الاتفاق؟ مع التأكيد أن ذلك ما كان ليتم لولا دعم خامنئي والمؤسسات الثورية المنضوية تحت عباءته ؟
وما مغزى عودة سياسة التعبئة الداخلية للفت نظر الداخل عن أزماته الطاحنة نحو الخارج ؟
وما هي البدائل والخيارات المتاحة لإيران للرد على واشنطن ؟ .
أعلنت طهران استعدادها لكافة الخيارات، حيث وضعت جملة من السيناريوهات وصفها الإعلام الإيراني بعبارة ” الرد المؤلم “، السيناريو الأول: هو أن تنسحب طهران من الاتفاق النووي، وأن تنهي التزامها بمضمون الاتفاق، وتستأنف تخصيب اليورانيوم بقوة من خلال إعادة تركيب أجهزة طرد مركزية من الجيل الرابع، يتبعها رفع نسبة التخصيب % 20 .
أما السيناريو الثاني : فهو يستخلص من آلية الخلاف والنزاع في الاتفاق النووي، حيث تسمح لجميع الأطراف تقديم شكوى رسمية في اللجنة التي تمّ تشكيلها للبت في انتهاك مضمون الاتفاق، وعلى هذا الأساس.
قدمت إيران حتى الآن 11 شكوى إلى هذه اللجنة، وقد تمّ إبلاغ مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي التي تترأس هذه اللجنة، حالات الانتهاك التي قامت بها أمريكا” مشيراً إلى أن “الهدف الرئيسي من هذه العملية هو إعادة أمريكا إلى الالتزام بمضمون الاتفاق النووي.
أما “السيناريو الثالث :هو الأكثر جدية وقوة، حيث إن إيران من المحتمل أن تتخذ القرار بشأن الانسحاب من معاهدة “إن بي تي” (الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، خاصة أن طهران من الموقعين على هذه المعاهدة”.
بموازاة ذلك نشطت طهران في تسريع وتيرة انتاجها من الصواريخ، واعتبرته أحد خطوطها الحمراء، ولوحت بالانتقال إلى الخطة ” ب” وأساسها تحريك شبكة وكلائها في المنطقة لجعل واشنطن تندم على هذه الخطوة كما لوح بذلك رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني (علاء الدين بروجردي)، إلى جانب تنشيط جهودها التخريبية على امتداد الحريق الإقليمي بدءاً من العراق مروراً بسوريا، ولبنان، واليمن، إضافة إلى إعطاء الضوء الأخضر لكل مرتزقتها ومخالبها في دول الخليج العربي لاسيما في البحرين، والسعودية، والكويت القيام بأعمال تخريبية هناك .
لا شك الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، قد بذلت جهود حثيثة لمحاولة إقناع إيران لإبرام ملحق إضافي بالاتفاق النووي، تدرك إدارة (ترامب) تماماً أنه ليس من السهل، لا على الرئيس (ترامب) أو الكونجرس، اتخاذ قرار بالانسحاب من الاتفاقية حيث ستشكل هذه الخطوة حال حدوثها – في الوقت الذي بتنا فيه نشكك بصدق التعهدات التي بات يطرحها الرئيس (ترامب) – ليس فقط في شكل البيئة الصراعية بين واشنطن، وطهران، بل أيضًا بين واشنطن وشركائها في الاتفاق؛ ولا سيما دول الاتحاد الأوروبي ، إلى جانب ضرب المصالح والاتفاقيات الاقتصادية الكبرى (المتعلقة بالنفط، والغاز، وصفقات السلاح، والصفقات التجارية) بشدّة حال خروج واشنطن من هذا الاتفاق، خاصة إذا ما قررت إيران الرد بصورة شاملة على هذه الخطوة، انسجاماً مع إستراتيجية حافة الهاوية التي تبرع إيران في توظيفها .
إن إلغاء الاتفاق النووي سيسهم في ردع إيران عن مشاريعها التوسعية ومخططاتها التخريبية، وربما قد يقود مستقبلاً إلى مواجهة عسكرية بين واشنطن وطهران، لكن دبلوماسية العقوبات الذكية في حال توظيفها بشكل منهجي ستسهم -بلا أدنى شك – في انهيار النظام الإيراني الذي يعيش وضعاً اقتصادياً مأزوماً غير مسبوق، في الوقت الذي تميل فيه واشنطن لتجنب التورط عسكريًا في الخارج، وطالما أن إلغاء الاتفاق قد يؤدي إلى نذر حرب في الشرق الأوسط لا تستطيع الولايات المتحدة الوقوف بعيدًا عنها، خاصة مع خروج إيران عن حدود الدور الوظيفي المسموح به في الوقت الذي باتت معه إيران دولة معادية الأمن العالمي وأمن الولايات المتحدة الأمريكية.
لا شك بأن التصعيد الأميركي يندرج في إطار ضغط إدارة (ترامب) على إيران لإعادة التفاوض مع إيران جماعيًا (الدول الشريكة في توقيع الاتفاق) لتوسيع حجم الضمانات لتشمل امتناع إيران عن إجراء التجارب الصاروخية، والانسحاب من مداخل الأزمات الإقليمية، ووقف ابتلاعها للعراق وسوريا، والكفّ عن السياسات الداعمة للمنظمات “الإرهابية” مثل وحزب الله، والحركة الحوثية في اليمن، والتي تهدد استقرار المنطقة، وهذا لا ينفي تراجع طهران في اللحظة الأخيرة، ولاسيما وأن طهران تبرع دوماً من خلال تشديد خطابها الراديكالي، وبموازاة ذلك تمارس (سلوكاً براغماتياً ) خلف الكواليس، تقدم خلاله حزمة من التنازلات .
تحاول طهران وحلفائها الروس والصينيين اللعب بورقة التأثير غير المباشر للتصعيد ضد إيران على فرص حل الأزمة الكورية الشمالية، والأمر المؤكد أن إدارة (ترامب) تدرك الفروق الكبيرة بين الملفين، حيث تحاول التفريق بين الملفين، خاصة أن الموضوع الكوري لا يمكن مقارنته بتاتاً مع الملف الإيراني المنخرط في تدمير المنطقة حتى النخاع .
ما يجري من ضغوطات على واشنطن من المؤكد أنه لن يمنع (ترامب ) من الانسحاب من الاتفاق النووي، سيتبعه تشديداً للعقوبات الأمريكية على إيران، ومحاولة جذب تأييد الدول المشاركة في توقيع الاتفاق نحو تعديله في نهاية المطاف، على أمل إما أن تبادر إيران من طرف واحد إما من التنصل من هذا الاتفاق، وهو ما حدث بالفعل، أو السعي لإلغاء الاتفاق، الأمر الذي سيمنح واشنطن القدرة على حشد تأييد دولي وإقليمي لإعادة العقوبات التي سبقت توقيع الاتفاق، بل وتشديدها أيضًا، وإما أن ترضخ طهران للضغوط، وتقبل بإعادة التفاوض لإدخال بنود جديدة تتعلق بالموضوع النووي والهواجس الإقليمية والدولية، إلى جانب بحث موضوع البرنامج الصاروخي والسياسات الإقليمية التخريبية والتدميرية لإيران ودعمها للإرهاب، إلى جانب ملفات داخلية إيرانية متعلقة بالدور الاقتصادي للحرس الثوري، وملف حقوق الإنسان .
وسوم: العدد 770