هل صارت بالفعل السلطة الخامسة ذات تأثير في صنع القرار ببلادنا ؟
عرفت بلادنا مؤخرا نازلتين أبانتا عن دور السلطة الخامسة في حمل الجهات المسؤولة على الفعل واتخاذ القرار للتو . أما النازلة الأولى فهي إهانة و تعنيف أستاذ تلميذته ، وأما النازلة الثانية فهي إهانة وتعنيف ضابط شرطة صاحب دراجة ثلاثية العجلات . فما كادت السلطة الخامسة ، وهي سلطة تطلق على وسائل التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية تتداول النازلتين حتى تحركت الجهات المسؤولة للمبادرة باتخاذ القرار بأسرع ما يمكن ، الشيء الذي يطرح السؤال الآتي : هل صارت بالفعل السلطة الخامسة ذات تأثير في صنع القرار ببلادنا؟
على جناح السرعة انتقل مدير الأكاديمية والمدير الإقليمي إلى بيت التلميذة التي عنّفها أستاذها دون تردد ، ودون أخذ استفزازها له أثناء حصة الدرس في الاعتبار ،لأن ضغط السلطة الخامسة كان أقوى من حمل الإدارتين على التفكير في ما كان منها من سوء السلوك قبل أن تتعرض للعنف . وعلى جناح السرعة وضع الأستاذ رهن الحراسة النظرية ، وأحيلت القضية على أنظار النيابة العامة أو أنظار السلطة القضائية . وعلى جناح السرعة أيضا استقبل أعلى مسؤول في السلطة التنفيذية صاحب الدراجة الثلاثية العجلات ليقدم له اعتذار إدارة الأمن الرسمي عما لحقه من إهانة وعنف دون التفكير في طبيعة مخالفته التي كانت سببا في إيقاف ضابط الشرطة له ، وما كان منه من فعل مستفز ترتب عنه رد فعل . وعلى جناح السرعة تم توقيف ضابط الشرطة وإحالته على أنظار مجلس تأديبي ، كما أحيلت القضية على أنظار السلطة القضائية .
وهكذا بدت السلطة الخامسة التي حركها خفية تلميذ أو تلميذة داخل الفصل الدراسي بالنسبة للتلميذة المعنفة ، والتي حركها أحد المارة سرا أو علانية بالنسبة لصاحب الدراجة الثلاثية العجلات قوية التأثير بعدما وزعت تغطيتها لأحداث النازلتين عبرالشبكة العنكبوتية على أوسع نطاق .
و لقد أصبحت السلطة الخامسة تخيف السلط الأربع التشريعية والقضائية والتنفيذية، فضلا عن السلطة الرابعة التي هي الصحافة في شكلها الرسمي لأن الصحافة في شكلها غير الرسمي تحسب على السلطة الخامسة ، وذلك لقدرتها على التأثير في الرأي العام وتعبئته وتحريكه نحو الفعل واتخاذ القرار كما حصل بالنسبة لقضية مقاطعة بعض المواد الاستهلاكية احتجاجا على ارتفاع أسعارها .
وهكذا يبدأ تداول السلطة الخامسة قضية من القضايا أو نازلة من النوازل بسيطا ، وفي أضيق نطاق ، لكنه سرعان ما ينتشر على أوسع نطاق بسرعة تكنولوجيا التواصل . وتزداد قوة تأثير السلطة الخامسة على قدر سعة النطاق الذي يبلغه تداول ما تثيره من قضايا . وتعتمد السلطة الخامسة كأسلوب للتأثير في الرأي العام استدرار التعاطف مع الضحايا والكشف عن شناعة أو بشاعة ما يلحقهم من اعتداء أو ضرر.
وفي قضية المقاطعة كان أسلوب التأثير هو الكشف عن المستهلك كضحية ، مقابل الكشف عن طبيعة أو كيفية استغلاله من طرف مسوقي المواد الاستهلاكية التي شملتها المقاطعة .وعلى خلاف قضية التلميذة وصاحب الدراجة ثلاثية العجلات حيث كانت الاستجابة فوية من طرف الجهات المسؤولة ، فإن قضية المقاطعة تم التعامل معها من طرف الجهات المسؤولة بشكل مختلف حيث بلغ الأمر بهذه الجهات في البداية حد تخوينها وتهديدها بالمتابعة لسبب بسيط هو أن مسوقي المواد الاستهلاكية التي شملتها المقاطعة أطراف في تلك الجهات المسؤولة وهم خصوم وحكام في نفس الوقت . ولقد جاء رد فعل بعض مسوقي المواد الاستهلاكية من المقاطعة متأخرا في شكل اعتذار على ما بدر منهم من إساءة للمقاطعين ، وذلك بعدما فعلت المقاطعة فعلها الذي لم يتوقعه المسوقون والذي سخروا منه في البداية ، وروجوا لذلك إعلاميا . ولما لم تؤت السخرية أكلها تحولوا إلى أسلوب التخوين والتهديد والاتهام ، محاولين تصنيف موضوع المقاطعة التي تداولته السلطة الخامسة ضمن الممنوعات والمحرمات التي قد تقع هذه السلطة في تداولها من قبيل الدعاية للعنف والإرهاب ودعمه والتشجيع عليه ، و ترويج خطاب الكراهية ...
ونظرا للدور الخطير الذي تلعبه السلطة الخامسة ، فإن هاجس استغلالها يظل مطروحا إذ قد تتداول ما يتسبب في إلحاق الضرر بالأبرياء دون تثبت أو تبيّن ،وذلك من خلال استغلال عواطف الرأي العام وتضليله لتعبئته وتجنيده وتوظيفه التوظيف المغرض ، فعلى سبيل المثال صورت السلطة الخامسة التلميذة المعنفة ضحية لأنها نقلت فقط مشهد العنف الذي تعرضت له ، ولم تصور مشهد الاستفزاز الذي صدر عنها والذي كان سببا في تعنيفها ، كما أن السلطة الخامسة صورت سائق الدراجة الثلاثية العجلات ضحية لأنها نقلت فقط مشهد الإهانة التي تعرض لها دون نقل مشهد رفضه للإجراء المقابل لمخالفته إذا صح ارتكابه لها. وبناء على هذا قد يشوب العيب ما تروجه السلطة الخامسة بحيث تبدي ما تشاء وتتعمد إغفال ما تشاء ، فيعود ذلك بالنفع على جهة وبالضرر على جهة أخرى ، وتكون مصائب قوم عند قوم فوائد كما قال الشاعر. والسؤال المطروح هل ستخضع السلطة الخامسة لقيود كتلك التي تخضع لها باقي السلط أم أنها ستظل فوق كل قيد تحاسب غيرها من السلط ولا تخضع للمحاسبة ؟
وسوم: العدد 774