وما زالت الحرب التي تدور على وطننا حربا من طرف واحد

كان هذا واقع الحال منذ أول يوم انطلقت فيه ثورة الشعب السوري وما زال هذا هو الحال حتى اليوم . ما ملّ العقلاء من النداء أن أبسط قواعد لعبة شد الحبل أن يكون في الطرف الآخر فريق أو إنسان يمسك بالحبل . وظل العقلاء يؤكدون أن هذا الفريق أو الإنسان - على الرغم من كثرة الأدعياء- غير موجود .

أنا ألعب الشطرنج مع حفيدي ، ومع الفارق الزمني بين السبعين سنة والسبع سنين ، مع كل ما تتضمنه هذه العقود من فروقات ؛ إلا أنني أشعر أن على الطرف الآخر من الرقعة ( لاعب ) ، حتى هذا اللاعب افتقدناه وما زلنا نفتقده في مشهد الثورة السورية بشكل خاص ، وفي إطار الحرب على الأمة بشكل عام .

ولقد كان الغرور منذ البداية مشكلة بعض الناس . فاندفع إلى مواقع القرار مستغلا عوامل معقدة في بنية المجتمع وفي الوضعين الإقليمي والدولي مَن إذا قلت له ( قيادة ) سألك ( مطعوم أو مشموم أو ملبوس ) ولكن هذا البعض أو هذا الفريق على خطره لم يكن هو كل المشكلة ..

كان الجزء الأكبر من المشكلة ، عند ابن السبع سنين، بالموازاة مع الطرف الآخر الذي يملك كل الأوراق والمؤهلات والذي يستحوذ على الحبل من طرفيه . هذا الفريق الذي كان يملك أدنى المؤهلات وأقل الإمكانات ليمسك بطرف الحبل ، لتنمو وسط المراس والتجربة وبالاستفادة من التقاطعات خبراته وإمكاناته ، آثر هو الآخر أن يرهن دوره وموقفه وقراره بالفريق الأول ، تحت عناوين مموهة ، لعمل جماعي أو وطني لا يقوم على وعي حقيقي ، ولا على توزع أدوار صادق ؛ وليظل جمع رواد الحمام البلدي بين البراني والوسطاني والجواني يتبادلون الطاسات الساخنة والباردة حينا بعد حين ..

قيل لهؤلاء الذين كانوا يملكون أقل المؤهلات والإمكانات تراجعوا ، فأطاعوا وتقدم آخرون ، وراح الجميع ، يسرون حسوا في ارتغاء ، فالمتراجع تراجع تخليا والآخر تقدم تحليا ، ومع أن كل الذين تقدموا لم يسدوا أدنى ما يعقل من الثغرة إلا أن دورهم في عدم القدرة على التمييز بين المطعوم والمشموم اليوم قد نسي ، وأعاد الضمير الجمعي للشعب السوري، محقا ، المسئولية على الذي كان يظنه الأخ الكبير الذي تخلى وما تولى ..

نتابع المشهد السوري اليوم فنجد أن السواد العام من المواطنين كما من الشخصيات والهيئات قد تناسوا أصحاب الأسماء اللامعة التي ائتلقت في سماء الثورة ، بل ما زالت يُعول على الكثير منها المعولون تمدحا وإشادة بينما باء بإثم ما حصل بعض من ركب الصعب ، وبعض من تخلى بادعاء فلا كان من هؤلاء ولا صار إلى هؤلاء !!

وكان من أسباب تخلي من تخلى إيثار بعض الناس المركب الناعم ، بعيدا عن ذات الشوكة ووعثائها ، فآثر بعض الناس الاشتغال على العير ، ويظنون أنهم أفادوا ويقول آخرون أنهم استفادوا ويبقى الحكم العدل في هذه القضية هو الله .

من الكلام المكرور أن نقول إن الإمساك بطرف الحبل هو واجب الوقت بالنسبة لأي عمل وطني رشيد .

وبانتظار قيادة ما تزال مأمولة تضع على أجندتها اليومية كل التغيرات الميدانية والسياسية والاجتماعية في آفاقها المحلية والاقليمية والدولية ليس أمام السوريين سوى الأمل . قيادة يهدي إليها الرشد ، أو تنطلق عفويا من قلب المعاناة ..

إن التناقضات التي بدأت تظهر على الساحة السورية والإقليمية تعج بالفرص التي تحتاج فقط إلى من يلتقط أطرافها ...نتابع حال لاعبين في ملعب الكرة ممن تنادي عليه : إن الكرة قد اصطدمت بقدمك فاركلها !!

والحلم بقيادة عملية واقعية تنطلق من إدراك الواقع والتأسيس عليه ليس حلما طوباويا ، وما زلنا كسوريين نمتلك الكثير . وما زلنا قادرين على أن نبدأ بداية صحيحة .

ويبقى السؤال : من يوقظ النائم ؟! من يبعث الحمية في قلوب المحبطين ؟! أين هم رجال اللحظة ؟! إلى متى يستبد بنا الذين ظنوا المنابر أسرة للهجوع ، وما كانت المنابر يوما لتكون.

لو كان في الألف منا واحد فدعوا .. من فارس ؟ خالهم إياه يعنونا.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 774