إيران والخيانة الروسية
مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية
تحدّثت الصحافة الإيرانية _وعلى غير عادتها_ عن " الخيانة الروسية " وعن "المكيدة الروسية"، وأطلقت عليها نعوتًا غاية في الشناعة طالت الرئيس بوتين حيث وصفته بعض المقالات في الصحف الرسمية ب: "المحتال" و"النصاب " و" المراوغ "...
في إشارة واضحة بأنّها قد حصلت معلوماتٍ مؤكّدة عن اتفاق روسي إسرائيلي ينصّ على إبعاد القوات الإيرانية والقوات الموالية لها عن المنطقة المتاخمة للجولان السوري المُحتل، بينما تسمح إسرائيل للجيش السوري باستعادة المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة في كلٍّ من القنيطرة ودرعا، مما يمهّد لقوّات الأسد أن تشنّ حربًا شرسة في الأيام القليلة القادمة تطال الجنوب السوري بمساعدة روسية لحسم المعركة سريعاً.
فقد أكدّت بعض التسريبات بأن روسيا وإسرائيل قد توصلتا إلى اتفاق استثنائي حول إنهاء دور القوات الإيرانية بداية في الجنوب السوري، مما يمهد ربما لإخراج ها من اللعبة في سوريا.
والمشكلة تكمن في التحوّل المفاجئ للسياسة الروسية تجاه إيران، فما ينبغي لها الموافقة على المطالب الاسرائيلية بإبعاد الميليشيات المدعومة من إيران عن حدود الجولان بهذه السهولة، ودون التنسيق معها، متناسية حجم التضحيات التي بذلتها في سوريا، فقد وجهت أيران اتهامات غير مباشرة لموسكو بأنّها قد وافقت ضمناً على استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على القواعد والميليشيات الإيرانية في أماكن أخرى من سوريا، مما يتطلّب من إيران التصرف بسرعة حفاظاً على ومصالحها في سوريا بل حفاظًا على أمنها القومي.
فالتفاهم الروسي – الإسرائيلي كما تراه طهران ينصُّ على التنسيق العسكري والسياسي ضدّ المصالح الإيرانية، فبعدما حقّقت طهران المهمة الموكلة إليها، تمّ التآمر عليها، وهذا ما ترفضه طهران بشدّة، وتؤكد بأنّها ستقلب الطاولة على الجميع، وبخاصّة بعد إدراكها بأن هذا (التفاهم الروسي – الإسرائيلي) ما هو إلاّ مقدمة لصفقة روسية أميركية على حسابها أيضًا.
والغريب في موقف إيران أنّها لم تقم بأي ردّ رسميٍّ على المحادثات (الروسية – الإسرائيلية)، ولم تعلّق على طبيعة الاتفاق الذي تمّ بينهما، بل تتوسل بتسريبات صحفية للتعبير عن رأيها، أمّا بالنّسبة للردود فحتى هذه اللحظة نجدها تتعمّد أن تكون مبهمة. فقد صرح المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي للصحافيين: "بأنه لا أحد يُمكنه أن يُجبر إيران على فعل شيء ضد إرادتها". وهذا التصريح يشي بحالة العجز عن الردّ العلني ضدّ التحول السياسي الروسي حول وجودها في سوريا، لكنها تؤكّد على بقائها وترفض الانسحاب حيث صرّحت بأنه من المستحيل أن تسحب مستشاريها من سوريا، فهي قَدِمت إلى سوريا بناءً على طلبٍ من النظام السوري، فوجودها في سوريا يعتبر قانوني، وهو جزء أساسي من استراتيجيتها في زيادة نفوذها في المنطقة، وبالمقابل فقد أعربت روسيا عن استراتيجيتها الجديدة والتي تتعهد بضمان خروج جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية، حيث دعا وزير خارجيتها سيرغي لافروف إلى ضرورة سحب "جميع القوات غير السورية" من جنوب سوريا، كمقدمةٍ لخروج إيران من كل سوريا، بينما لم يكن هناك أي ذكر للقاعدة العسكرية الروسية في "حميميم" في الشمال الغربي، والتي كانت حيويّة في دعم العمليات الأخيرة للنظام، أو القاعدة البحرية الروسية في طرطوس المجاورة، وهو ما أحدث صدمة كبيرة لإيران، والتي لا زال مسؤولوها يُمارسون سياسة الصمت المطبق من هول الصدمة، تاركين لوسائل الإعلام مهمّة توجيه الرسائل للطرف الروسي، والذي يبدو بأنه غير عابئ بها على الإطلاق.
وسوم: العدد 776