الإجهاض والتخلي عن المواليد واختطافهم واستغلالهم كلها جرائم شنيعة
هز أمس الأول نبأ جريمة اختطاف مولودة من مستشفى بمدينة الدار البيضاء المجتمع المغربي الذي أدانها بشدة لشناعتها ، وترقب الجميع إنقاذ تلك المولودة البريئة من مصير مجهول كان ينتظرها بعيدا عن أحضان والديها البائسين وقد فجعا في فلذة كبدهما . ومثل هذه الفعل المنكر الذي لا يمكن أن يصدر إلا عن إنسانة عديمة المشاعر لا تعرف معنى للرحمة ، وهي بأدق تعبير تحاكي بفعلتها وحشا كاسرا حين يجهز على فريسة ضعيفة لا حول ولا قوة لها . وإن من الوحوش الكاسرة من يرق للفريسة المستضعفة ، وقد يحميها ممن هو أشرس منه كما تصور ذلك البرامج التلفزية الخاصة بتتبع عالم الحيوانات . وإذا ما التمست الأعذار للوحوش الضارية حين تفتك بفريستها لأنها لاعقل لها ، فلا عذر للوحوش الآدمية العاقلة التي ترتكب في أشنع الجرائم في حق مخلوقات آدمية لما يمض على مجيئها إلى هذه الحياة المليئة بالشرور سوى ساعات معدودات.
قد يقول البعض إن مختطفة الوليدة ربما تكون محرومة من نعمة الإنجاب، فوسوس لها الشيطان لتحقق رغبتها عن طريق فعلتها الشنيعة ،وهي تعلم حجم شناعتها ،وتعلم أن الله عز وجل هو واهب البنين والبنات ، وهو سبحانه الذي يجعل من يشاء عقيما لحكمة لا يعلمها إلا هو، ولا عذر لها في هذه الحال لأنها لم ترض بما قسم الله عز وجل لها ، وامتدت يدها الآثمة لسرقة مخلوق كرمه الله عز وجل كما يسرق المتاع . أما إذا كانت ممن يتاجر بالبشر عن طرق السرقة فبئس ما جنت وتبت يداها .
ومن المؤسف الأسف الشديد أننا صرنا اليوم نسمع في بلادنا بجرائم غير مألوفة في حق فلذات الأكباد وهم إما أجنة أو مواليد. أما الأجنة فهم أكبر الضحايا ذلك أن الزناة والزانيات الذين يقيمون علاقات جنسية خارج إطار الزواج الشرعي يتخلصون من الحمل الناتج عن سفاحهم بالإجهاض وهو أبشع صور القتل باعتبار ضعف الضحايا الذين لا حول ولا قوة لهم . ومع بشاعة وشناعة هذا الفعل المنكر تتعالى أصوات المدافعين عن المسافحين والمسافحات للمطالبة بما يسمونه حرية الجسد والتصرف فيه والحق في الإجهاض ،علما بأن شريعة الإسلام التي تكرم الإنسان وهو جنين تحرم الإجهاض إلا أن تقضي به الخبرة الطبية الموثوق بعدالتها، وتنصح به لمضرة تتوقع من حمل غير سوي عملا بقاعدة درء المفاسد، وما عدا ذلك يكون إثما مبينا .والله وحده يعلم كم عدد الأجنة ضحايا جريمة الإجهاض بسبب السفاح في بلادنا خصوصا مع ارتفاع أصوات جهات تريد إضفاء الشرعية على هذه الجريمة النكراء. وسيسأل الأجنة منضحايا الإجهاض يوم القيامة بأي ذنب قتلوا كما ستسأل عن ذلك الموءودة . وسيّان جريمة الإجهاض و جريمة الوأد عند الله عز وجل سواء كانت هذه الأخيرة خشية إملاق أم خشية عار كما كان الشأن في جاهلية العرب .
وليس حال الأجنة الذين ينجون من الإجهاض بأفضل من الذين يجهضون حين يتلخى عنهم في المستشفيات أو يلقون في الشوارع أو الحدائق أو غير ذلك ، بل وأحيانا يلقون حتى في القمامات ، ذلك أن بعضهم يكون مصيره الهلاك بعد نجاته من الإجهاض ، ومن تكتب له الحياة أقل ما يواجه من متاعب إذا ما قيض له الله عز وجل من يكفله أنه يتجرع بعد رشده مرارة افتقاره إلى نسب ينتسب إليه ، ولا يفارقه أبدا الشعور بالدونية لأنه كان نتاج سفاح ،ولم يكن نتاج نكاح كغيره ، وقد يعير بذلك تصريحا أو تلميحا في مجتمع لا يرحم .
ومعلوم أن اختطاف المواليد جريمة لا تختلف عن جريمة الإجهاض والقتل لأنها عبارة عن اعتداء على حرية هؤلاء المواليد الذين تلدهم أمهاتهم أحرارا فيجعلهم الاختطاف أرقاء وإن عاشوا في بحبوحة العيش عند من اختطفهم أو من اشتراهم من الخاطفين . وحسب المواليد عبودية ورقا أن يحيوا لا يعرفون أنسابهم، ولا يشعرون كغيرهم بدفء الأمومة والأبوة ودف العائلة والعشيرة والوطن .
وإذا كان حظ المواليد الذين يختطفون ليربوا بعيدا عن أسرهم سيئا ، فالأسوء حظا منهم الذين يستغلون بشكل أو بآخر، فيتاجر بهم كالرقيق ، أو تستأصل أعضاؤهم لتباع كقطع غيار ، أو يربوا ليستغلوا جنسيا بعد أن يكبروا أو غير ذلك مما يعتبر من الأهداف المبيتة الكامنة وراء جريمة الاختطاف التي هي في نهاية المطاف جريمة استغلال ضعاف البشر .
وإذا كان المواليد المختطفون يواجهون مصائر مجهولة منها ما يكون في غاية الدرامية ، فإن أمهاتهم وآبائهم يعيشون بعد حرمانهم منهم أصعب الظروف وأحلكها ، ويدوم حزنهم على فقدان فلذات أكبادهم طول حياتهم ، وقد يموت بعضهم كمدا ، وقد تبيض عيون بعضهم من الحزن ، وقد تطير عقول بعضهم من هول الصدمة... ولهذا تعتبر جريمة اختطاف المواليد جريمة مركبة تمسهم وتمس أمهاتهم وآبائهم ومن له علاقة بهم ، بكامله ،بل هي جريمة تمس مجتمع المواليد المختطفين ،وتمس الإنسانية قاطبة ،الشيء الذي يقتضي تصنيفها كأشنع جريمة يعاقب مرتكبوها بأقسى عقاب ممكن .
ولا تقل شناعة جريمة اختطاف الأطفال في عمر الزهور عن شناعة اختطاف المواليد ، لأنهم إنما يختطفون بغرض استغلالهم جنسيا أو جراحيا ثم يقتلون بعد ذلك بطرق بشعة، ويذوقون أقسى أنواع العذاب الذي لا تقوى عليه أجسادهم الناعمة ، ولهذا وجب أن يكون جزاء من يعتدي على هؤلاء أقسى العقوبات التي تخصص لأخطر المجرمين ،ويكون إعدامهم بشكل يذوقون معه أشد العذاب قبل أن يواجهوا عذاب الخلد وساء مصيرا .
وفي الأخير نأسف شديد الأسف، ونتحسر أشد الحسرة لشيوع مثل هذه الجرائم في مجتمعنا الذي يدين بدين الإسلام كما ينص على ذلك دستوره . ونأمل أن يراجع القضاء عندنا مساطره خصوصا تلك المستوردة من مجتمعات ذات قوانين وضعية تشجع على الإجرام ، وتلتمس للمجرمين الأعذار الواهية ، وتجعلهم يستفيدون مما يسمى ظروف التخفيف ،وهي تعارض أحكام ديننا الحنيف التي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه وهو دين عدالة إلهية لا يتساهل مع الإجرام باعتماد شريعة القصاص التي تصان بها الأرواح والأجساد وهي عماد الحياة .
وسوم: العدد 778