روحاني يحذر من حكومة عسكرية في إيران

قال الرئيس الإيراني "حسن روحاني": إن المشكلات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد اليوم لا يمكن حلّها من خلال حكومات عسكرية، كما أكّد في جلسة لرئاسة الوزراء "أنّ الحكومات العسكرية ضرورية بعض الشيء، إلا أن الاولوية للحكومات تكمن في إزالة حالة التوتر التي يعيشها المواطن، والعمل على غرس الثقة فيه، وفي هذه الجلسة دعا "روحاني" رؤساء السلطات الثلاث إلى التعاون لحلّ المشاكل المعقدة التي باتت تعيشها إيران، حيث تستوجب المرحلة الآنية تكاتف الجهود المختلفة من جانب السلطات الثلاث والقوات المسلحة والشعب لتجاوز هذه المرحلة. فحديث روحاني جاء رداً على تصريحات النائب العام في إيران "محمد جعفر منتظري"، التي أدلى بها في أثناء مؤتمر صحفي موسع، حيث أكد فيه أنّه إذا اقتضت الحاجة فسيتمّ التحقيق مع الوزراء، فيما يتعلّق بالملفات الاقتصاديّة، وقد هدد النائب العام بنبرة غير مسبوقة موجهاً اتهامات مبطنة لحكومة "روحاني "، أنّه في الوقت الذي تنتشر فيه هذه الملفات على الملأ ستتمّ مقاضاة المتورطين في هذه الملفات على العلن. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ تصريحات النائب العام جاءت بعد يوم واحد من إقرار وتبليغ الضوابط الإعلاميّة من قبل رؤساء السلطات الثلاث في إيران، حيث اجتمع كلّ من "حسن روحاني"، و"علي لاريجاني"، و"صادق لاريجاني"، وتحدثوا في جلسة عقدت مؤخرا للمجلس الأعلى للتعاون الاقتصادي الذي شرع بعمله منذ شهر أيار الماضي، ووفقا لما أعلنه المسؤولون في إيران تهدف هذه السياسات الإعلامية إلى إعادة الهدوء والاستقرار إلى السوق الاقتصادي، كما تهدف إلى مكافحة ما أطلقوا عليه الحرب النفسيّة.

 يحاول الرئيس الإيراني جاهدا الإشارة إلى أن المشكلة الرئيسة في الاقتصاد الإيراني هي مجرد حرب نفسية من قبل الأعداء.

 المؤكد الأول: أن النائب العام لا يتحدث من تلقاء نفسه موجهاً اتهاماً مباشراً لحكومة روحاني على هذا النحو، دون توجيه ودعم من خامنئي، حيث بات أي "خامنئي" يحمّل الحكومةَ المسؤولية كاملة عما يجري، في الوقت الذي يُريد فيه "روحاني" وحكومته النأي بنفسهم عن الاتهام. بعد تصريحات "خامنئي" التي اتهم فيها الحكومة بالتقصير الكبير، في السيطرة على معدل التضخم، وقيمة العملة الوطنية، حيث تم حذف الجزء المتعلق بهذا التصريح من المواقع الفارسية داخل إيران بعد نشرة بساعات معدودة، فرئيس السلطة القضائية "صادق لاريجاني "دخل على الخط بقوة، حيث دعا في رسالة عبر الإعلام؛ إلى اتخاذ تدابير خاصة، للتصدي بشدة وبسرعة قصوى للانتهاكات الاقتصادية، محذراً من التراخي، مع المخلين بالاقتصاد مع الأخذ بعين الاعتبار؛ الحرب الاقتصادية مع الأعداء.

 وفي هذا الصدد كتبت وكالة أنباء "ميزان"، المرتبطة بالسلطة القضائيّة أن هذا المجلس قد أقرّ مجموعة من السياسات الضخمة الإعلامية لمواجهة ما يسمى بالحرب النفسية الاقتصاديّة، كما تهدف هذه السياسات لبثّ الأمن والاستقرار في السوق، ومن القرارات التي اتخذت في هذه الجلسة محاربة الفساد الاقتصادي، والعمل على إيجاد توازن في حجم الصادرات بما يتناسب وتأمين الحاجيّات الأساسية للمواطن الإيراني. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ العمل على إعادة الاستقرار إلى السوق المضطربة، وآلية مواجهة هذا الانهيار غير المسبوق في العملة الإيرانية كان ومنذ أمد بعيد الشغل الشاغل للقيادات الإيرانيّة المختلفة التي فشلت لغاية الآن من إيجاد حلول جدية لوقف هذا الانهيار غير المسبوق، ولتحقيق هذه الأهداف فقد تمّ الإطاحة بمحافظ البنك المركزي الإيراني، وطرح حزمة ماليّة جديدة، إلا أنّ قيمة التومان لا تزال منخفضة أمام الدولار إذ وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى أكثر من 10000تومان. ما جعل "خامنئي" يقرع جرس الخطر أكثر من أربعة مرات على التوالي خلال الأسبوع الماضي محملاً أسباب المشكلة الاقتصادية لأسباب داخليّة صرفه، فضلا عن دور المسؤولين التنفيذييّن الممسكين بالقرار في إيران، في الوقت نفسه لم ينفِ المرشد الأعلى الدور الذي لعبته العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.

 فقد وضع "خامنئي" الكرة في ملعب الحكومة الإيرانية، بينما اعتبر الرئيس الإيراني أن العامل الرئيس لظهور المعضلة الاقتصاديّة هو تلك المظاهرات والاحتجاجات التي قام بها المواطنون الإيرانيون في شهر كانون الثاني الماضي، وبينما يشتدّ الحديث عن محاربة الفساد الاقتصادي والمفسدين يدخل رئيس قوات التعبئة "غلام حسين برور"، على خط الأزمة بقوة، محذرا تلك الفئة المحتكرة بالإفصاح عن أسمائهم في المستقبل القريب، وفي هذه الصدد يقول إن دخول قوات التعبئة على خط مكافحة الفساد الاقتصادي قد جاء بالتنسيق مع السلطة القضائية، وفي السياق ذاته قال رئيس شرطة طهران "حسين رحيمي": إنّه تمّ استدعاء ما يقارب 850 شخصًا على صلة بالتجاوزات التي حصلت في سوق العملة والذهب، وما زالت التحقيقات جارية معهم. وفي هذا الصدد نشرت بعض وكالات الأنباء الإيرانية أسماء عشرة أشخاص من كبار مشتري الذهب في إيران. لكن هل ستسهم هذه الاستراتيجيات المعلنة من قبل القيادات داخل إيران في إعادة الاستقرار إلى السوق المضطرب أم لا؟! الجواب: بالتأكيد لا، فالمسألة أكبر من ذلك بكثير، ما يحدث في إيران لا يتعلّق بهذه المرحلة فحسب، بل يعود إلى أربعة عقود خلت من الفساد والخراب المستشري في جسد الدولة الإيرانية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالمرشد الأعلى، وقوى أخرى تنضوي تخت عباءته، مثل الحرس الثوري، وقوات التعبئة والسلطة القضائية، والنخب الحافظة التي تقلدت مواقع تنفيذية كثيرة، وامتهنت السلب والنهب.

 المؤكد الثاني : ما الذي يريده الجناح المحافظ من التلويح باعتقال أعضاء الحكومة، لا شك بأن طبيعة عمل هذه التيارات هي طبيعة مبرمجة، لذا تسعى هذه التيارات لتحويل الاقتصاد الإيراني سيّما في هذه الظروف إلى اقتصاد أمني بحت من خلال توظيف قوات التعبئة والحرس الثوري، وعلى الأخص المخابرات التابعة للحرس الثوري، حيث يسعى لإيجاد حالة من عدم الأمن داخل الدولة الإيرانية للإطاحة بروحاني وحكومته، فهذه القوى التي تسيطر على بيع الدولار والذهب، وتغدق الأموال على وسائل الإعلام والصحفيين لزرع اليأس في نفوس الإيرانيين وما تعيشه إيران اليوم في ظلّ الظروف الراهنة هو امتداد لخلافات أربعة عقود مضت ما بين تيار المحافظين والتيار الإصلاحي في إيران، بينما الشعب الإيراني لازال يدفع الثمن الباهظ.

 السلطة القضائية لديها رؤية ملفتة ومثيرة، فهي تعتقد بأن المشكلات الاقتصادية الإيرانية؛ لا تحل إلا بإعدام البعض ومحاكمة البعض الآخر. وأن لديهم المعلومات والاتهامات الكافية، والآلية اللازمة للتنفيذ. لأنها سلطة "خامنئي"، وعصاه الغليظة التي يستطيع من خلالها ضرب الخصوم والمنافسين، وهي فرصة مناسبة لتصفية المعارضين لسياسات. بينما "روحاني" يتحسّب ويعارض رؤية المرشد! لكن هل سيؤدي ذلك إلى نوع من المواجهة بين الجناحين الرئيسيين؟ وهل تملك حكومة "حسن روحاني" أدوات للمواجهة؟

 وحقيقة الأمر أن التيار المتشدّد يريد أن يقنع عامة الناس، وبخاصة الطبقات الفقيرة والمتدنية الدخل، والشرائح المعدمة بأن أساس المشكلات الاقتصادية في إيران يعود إلى سياسات حكومة "روحاني"، وإلى التساهل الذي تبديه بحق الفاسدين اليوم في إيران؛ لكنهم نسوا أن أصحاب "خامنئي" وزمرته هم أصحاب النفوذ الحقيقي في إيران، وهم الذين يهيمنون على الاقتصاد الإيراني، ويتربعون على كراسي السلطة في البلاد. مثل عائلة خامنئي وأبنائه، وعائلة "لاريجاني"... وقادة الحرس الثوري والمخابرات والبسيج ... حتى أخوة الرئيس روحاني وزمرته لم تسلم من عمليات النهب المنظم للاقتصاد الإيراني.

 النتيجة الحتمية: أن ما يجري في إيران قد أدى إلى مسخ مكانة الدولة وهيبة قياداتها كذلك، وعلينا أن لا ننسى أن تيار المحافظين هم الذين وقفوا وراء مظاهرات مدينة مشهد، خلال شهر ديسمبر من العام الماضي، وقد كانوا يهدفون من وراء ذلك بأن يهتف الناس ضد حكومة "روحاني"، وأن يرددوا شعار الموت لـ"روحاني" في شوارع المدن، كما أراد الأصوليون أن يهتف الناس ضدّ سياسات "روحاني" الاقتصادية، ويطيحوا بحكومته، لكن الأوضاع خرجت عن سيطرتهم وراح الناس يهتفون ضد النظام، والموت للثنائي " خامنئي وروحاني "، ويطالبون بإسقاط النظام ، ويبتهلون إلى الله بعودة النظام الشاهي من جديد.

وسوم: العدد 786