المياه... والخطر القادم

 الجزء ١ من ٢ 

اعزائي القراء..

منذ سنوات اصدرت حكومة نيويورك تحذيراً إلى السكان طلبت منهم التقنين في إستخدام المياه, ووضعت لائحه من المحظورات تمنع السكان من ادائها ومنها: الإمتناع عن غسيل السيارات امام بيوت اصحابها, عدم إملاء المسابح الخاصه بالماء وإستبدال ذلك بإستخدام نظام المعالجه, ملاحقة اهالي الاطفال الذين يعبثون بالحنفيات الخاصه بالحريق والموجودة بكثره عند تقاطعات شوارع المدينه وسط مراقبة صارمه حتى بطائرات الهليكوبتر, علماً ان مدينه نيويورك تتزود بالمياه من بحيره كبيره تقع شمالها محاطه بجبال وتتغذى من مياه جوفيه وجداول مائيه عديده وتقع تحت حراسة مشدده...

هنا يأتي السؤال الملح  اذا كان هذا ما حصل ويحصل احياناً على فترات زمنيه مختلفه ومتقاربه في نيويورك وكما هو معلوم هي مدينه محصنه مائياً, إذن ماهو مستقبل المياه في بلادنا العربيه؟

سؤال كبير وعلامات إستفهام اكبر وخاصة إذا علمنا ان اكبر نهرين في البلاد العربيه هما النيل والفرات ينبعان من خارج بلادنا العربيه كما ان اللص إسرائيل يقبع في منتصفنا ويريد ان يشاركنا حتى في حقوقنا الواضحه كالشمس.

بل اكثر من ذلك اقول ان امريكا اليوم  أقامت في الرقة ليس من اجل سواد عيون الأكراد والذين اصلاً لايملكون المدينة وليس لهم ساكن واحد فيها ، بل ليتحكموا بالمخزون المائي في سوريا  لفتحه  عن طريقهم ببناء محطة ضخ لايصال ماء الفرات عبر مواسير الى الكيان الاسرائيلي في الوقت المناسب  ، اما نهر النيل فيبدو ان موضوع استجرار قسم منه الى صحراء النقب اصبح قاب قوسين او أدنى بعد تنصيب السيسي حاكماً على مصر والضغوط على الشعب المصري ببناء سد النهضة الاثيوبي المدعوم صهيونياً بدون تنسيق مع الجانب المصري والسوداني .

اعزائي القراء ..

سأتطرق لهذا الموضوع بجزئين الجزء الأول: سأعطي فكره فنيه مبسطه عن الخطوات الدراسيه التي نقوم بها نحن المهندسون والفنيون لتأمين المياه النظيفه للسكان، حيث وجدتها فرصه لتطلعوا على المجهود الفني وراء كأس من الماء النظيف هذا الماء الذي اعتبره القرآن الكريم انه اصل الحياة عندما قال جل جلاله: "وجعلنا من الماء كل شيئ حي". اما في الجزء الثاني: فساتطرق الى الصراع السياسي والعسكري والذي سيتمحور حول هذه الثروه النادره والتي إسمها الماء.

اخواني ..

عندما نقوم بالدراسه الهندسيه لتزويد مدينه جديده بالمياه فإننا نعتمد على الأمور التالية

اولاً: المعايير العالميه لإستهلاك الفرد اليومي من الماء,قد يختلف هذا المعيار من شعب إلى آخر ولكن هناك حداً يجب ان نلاحظه وان لاننزل إلى ادنى منه.

ثانياً: إستلام المخططات الأوليه المعماريه للمدينه مبيناً فيها توزيع البيوت السكنيه والخدمات الحكوميه من مدارس ومصانع ومستشفيات وحدائق عامه...الخ.

ثالثاً: التوزيع السكاني في كل جزء من أجزاء المدينه وهذا يعطي دليلاً على إستهلاك الذروه لكل منطقه على حده.

رابعاً: العدد الإجمالي لسكان المدينه وطبيعة عملهم موظفين .. زراعيين صناعيين؟...

خامساً:الموقع الجغرافي للمدينه وتأثيرات المناخ عليها...الخ.

بعد إستلام المخططات والزيارات الميدانيه لموقع المدينه وإجتماعات التنسيق بين مختلف الإختصاصات. اطلب تقريراً من مهندس المياه اقرأ فيه مايلي: التدفق الأعظم والأدنى في الثانيه, يبين التدفق اليومي والشهري على مدار العام والتفاوت في التدفق من سنة إلى اخرى. وتقريراً آخر يبين تحليلاً بيولوجياً ومعدنياً لعينات من الماء المتوفر لهذه المدينه، وعلى كل فان اي مخالفه نجدها في التحليل عن المواصفات الفنيه العالميه يمكن استدراكها ببساطه باضافات كيميائيه معينه.

ولكن يبقى السؤال المزعج وهو: ماذا لو كانت كمية المياه لاتفي حاجة هذه المدينه ؟

هنا يجب علي كمصمم لشبكات المياه لهذه المدينه ان الجأ إلى طرق التحايل الفني واضرب مثالاً على ذلك:المنطقه الشرقيه من المدينه مثلاً  يسكنها على الأغلب طبقه من العمال الذين يصلون بيوتهم بعد الخامسه مساءاً ووجبتهم الرئيسيه على العشاء, فذروة إستهلاك الماء عندهم تكون حوالي السادسه مساءاً, بينما المنطقه الغربيه من المدينه يقطنها موظفون فذروة الإستهلاك عندهم حوالي الثالثه هذا التفاوت والذي يدعى بــ 

diversity factor

 يعطيني مرونه في تغطية كل منطقه دون ان يشعر سكانها بانقطاع المياه عنها حيث ابرمج الكومبيوتر بإغلاق صمامات جزئياً او كلياً في ساعات انخفاض الإستهلاك معتمدين على الماء في الخزان العلوي الخاص بالمنطقه وتحويل كميه من الماء الى مناطق ذات الاستهلاك الأعظمي يتم كل ذلك آلياً بواسطه اجهزه تحكم مركزيه بالصمامات ومضخات الرفع وغير ذلك, كما استطيع عبر غرفة عمليات مركزيه فيها مخطط 

mimic Diagram 

موضوع امامي فيه ما يماثل شبكة المدينه والتي قمت بتصميمها مع اضواء صغيره تبين الحاله الميكانيكيه لكل جهاز مثل حالة التشغيل (جزئي, كلي), حالة توقف, حالة عطل...الخ. واستطيع برمجة الكومبيوتر ليلاً و نهاراً واستفيد من ساعات انخفاض الإستهلاك الليلي لأملئ كافة الخزانات العلويه والأرضيه لساعات النهار, ويمكنني اجراء تعديل إسبوعي على برنامج الكومبيوتر لأجعل المضخات تعمل بكافة طاقتها لتغطية العجز ايام العطل الإسبوعيه والاعياد, كما ان التصميم المتكامل والذي قمت بدراسته سيشمل محطة لمعالجة مياه المجاري وموقعها حساس بالنسبه للمدينه بحيث لايتعرض سكانها الى الروائح الصادره عن المعالجه وكذلك من رائحة غاز الميتان والذي يحرق منتجاً رائحه واخزه وخطرة , هذه المحطه تخفف عبئاً كبيراً من استهلاك الماء في المرافق العامه كري الحدائق والتنظيف وغيرها من الإستخدامات الصناعيه والزراعية الأخرى والماء المعالجه الناتجة لا لون لها ولارائحه وخالية من البكتيريا ولكنها طبعآ غير مهيئه لإستخدامات الشرب او الطبخ في كل دول العالم, هذه المحطات اصبحت الزاميه في معظم المدن بعد تفاقم ازمة المياه الحاده.

هذا بإختصار شديد بعض الجهد المبذول وراء قطرة الماء والتي هي عنوان حياتنا على هذه الأرض، ولكن يبقى الآن السؤال الكبير وهو: ماذا لو اني قمت بكل الطرق الفنيه الممكنه ولكني عجزت عن توفير الماء وخاصة صيفاً لكثير من سكان المدينه بالرغم من ان الشبكه التي قمت بدراستها تستوعب حاجة السكان لخمسين سنة قادمه والتحكم الألكتروني المرن متوفر فيها؟ هنا نستطيع ان نقول ان المدينه وصلت الى حالة عجز مائي ويجب التفتيش عن مصادر مياه داعمه لتعويض هذا العجز.

اعزائي القراء ..

الكثير من مدننا العربيه وصلت الى حالة عجز مائي وهذه هي المعضله الكبرى في السنين القادمه والى اللقاء مع الجزء الثاني والذي سأروي فيه الشق السياسي والعسكري مع إسرائيل فيما يتعلق بموضوع المياه.

مع تحياتي

******************************************

المياه..والخطر القادم 

الجزء الثاني (٢ من ٢)

اعزائي القراء...

 ذكرت في نهاية الجزء الأول من هذه المقاله والمتعلق بالناحية الفنية الى ان اكثر مدننا العربيه ومشاريعنا المائية  وقعت في حالة عجز مائي وامامها اربع حالات في المستقبل :

الحاله الأولى: إستثمار المياه الجوفيه إلى اقصى مدى.

الحاله الثانيه: إذا لم نستطع تحقيق نتيجه في الحاله الأولى فاننا نلجا الى محطات تحلية مياه البحر المكلفه.

الحاله الثالثة:ان نشتري المياه من دول مجاوره لنا قريبة او بعيده.

 والحاله الرابعه: ان يبقى الوضع على حاله مع فرض قيود صارمه مؤلمه على السكان لتقنين الإستهلاك وبالتالي تجميد كافة مشاريعنا الزراعيه والصناعيه.

الشق السياسي من المياه

من بين الحالات الأربعه التي ذكرتها اعلاه هناك حالتين ينتج عن إستخدامهما خطر إستراتيجي: 

الحاله الأولى: إستخدام محطات تحلية مياه البحر وهي شائعه في دول عربيه عديده. الا انها اصبحت هدفاً من أهداف الحروب القذرة التي لم تعد تفرق بين المدني والعسكري، والطفل الرضيع والرجل البالغ، وماء الشرب وخزانات الوقود.

 اضافة الى انها تهتم في تامين المياه للسكان وليس للمشاريع الصناعية والزراعية.

الحاله الثانيه: والخطره إستراتيجياً ايضاً وهي شراء المياه من دول اخرى سواءاً عن طريق التزود بالمياه بواسطة البواخر ناقلات المياه على غرار ناقلات البترول، او بمد اقنيه من دول مجاوره غنيه بالأنهار لتصل الى مناطق الجفاف 

اللص الإسرائيلي عينه على المياه

اولاً : سوريا

وضع الكيان الاسرائيلي بالنسبة للمياه يشابه وضع بقية الدول العربيه في المنطقه وهو بالتالي سيتعرض ايضاً هذا الكيان الى نفس مشكلة العجز المائي . ومؤامرة حافظ الاسد بتسليم الجولان لاسرائيل عام ١٩٦٧ كانت ترمي لعدة أهداف منها توفير المياه لسهول فلسطين الشمالية المحتلة. وكذلك حربها على لبنان عام ٢٠٠٦ كان هدفها سرقة مياه الجنوب تحت ستار مموه وهو  تدمير قوة حزب الله حيث سرق العدو الاسرائيلي المياه و ابقي لنا حزب الله .

إذن نستطيع القول ان عصب الحياة لاسرائيل  هو الماء موجود لدى العراق وسوريا ومصر   على ندرته او موجود في دول مجاورة لنا كحالة تركيا، وحتى تقوم بسرقته تحتاج الى دعم غربي واضح وتأمين نظام تركي مساند .

اما الدعم الغربي فهو موجود دائماً. والمشكلة تكمن في دولة المنبع تركيا،اما بقايا النظام السوري فلم يعد يحسب حسابه في المعادلات الدولية وهذا هو سبب بقائه لأطول فترة ممكنه للتعكز عليه في تحقيق الأهداف الإسرائيلية والغربية معاً.

وضع الغرب اليوم مع الأتراك كما هو معلوم سيء. وسببه معروف فامريكا تريد ان تضرب عصفورين بحجر واحد . الاول خلق كيان كردي  مقتطع من سوريا وتركيا،والثاني تمركز الامريكان في الرقة العقدة المائية الهامة والتي يريدون من خلالها إيصال المياه الى الكيان الاسرائيلي عبر مواسير ضخمة تمر بالبادية السورية شرق حمص باتجاه الجولان المحتل وهذا هو ايضاً السبب الرئيسي الذي رفضت من اجله امريكا القيام بحملة مشتركة مع الأتراك  لاسترداد الرقة من تنظيم داعش وآثرت عليه

التعاون مع عميلها الحزب الديموقراطي الكردستاني رغم ان الأكراد لا يملكون موطئ قدم في الرقة وما حولها .فامريكا الذراع الاسرائيلي تمكنت من الوصول الىً الرقة واقامت فيها من اجل تحقيق الخطوة الاولى من شعار : حدودك يا إسرائيل من الفرات الى النيل.

فليس الغاية وصول الجندي الصهيوني الى الفرات بنفسه فهي لاتملك التعداد البشري  للقيام بذلك ، فقامت امريكا بهذا الدور نيابة عنها ووظفت الحزب الديموقراطي الكردستاني وكيلاً عنها في حال انسحاب امريكا من سوريا . 

ثانياً: مصر

وخزانها الرئيسي نهر النيل وهو أطول أنهار الكرة الأرضية يقع في الجزء الشمال الشرقي من قارة أفريقيا، ويبدأ مساره من المنبع عند بحيرة فيكتوريا - الواقعة بوسط شرق القارة - ثم يتجه شمالا حتى المصب في البحر المتوسط، بطول إجمالي  ٦٦٥٠ كم, وتدفق ٢٨٣٠ متر³/ثانية يمر مساره بعشر دول إفريقية يطلق عليها دول حوض النيل .

اعزائي القراء ..

 اللص الإسرائيلي يملك اوراق قويه على جبهة مصر خاصة بعد تسليم مقدراتها لحاكم فرضته اسرائيل فرضاً على شعبها . وبنفس الوقت تم تشجيع اثيوبيا لبناء سد النهضة الضخم والذي هو اكبر من طاقتها وحاجتها دون تنسيق مسبق مع دولتي العبور والمصب وهما السودان ومصر حيث يشكل بناء هذا السد خرقا لاتفاقية قديمة موقعة بين إثيوبيا بلد المنبع، وكل من السودان ومصر .وبالرغم من قيام محاولات غير مفهومة جرت مؤخرًا كاغتيال مدير المشروع والتي لاتوخر من النشاط القائم قي استكمال بنائه حيث أنجز منه اكثر من ٦٥٪؜ ، فاني اعتبر ان مثل هذه الأعمال تصب في اصرار اثيوبيا على استكمال بنائه  وليس تاخير انجازه وهو عمل بتقديري تم بتخطيط إسرائيلي .

نستطيع القول ان بناء هذا السد هو ورقة ضغط جديدة  على السودان ومصر لتمديد أقنية مستقبلية تحت قناة السويس للوصول للنقب واذا أضفنا عاملاً اخر وهو التهديد بورقة داعش  لوجدنا ان  المؤامرة مستمرة من الشمال الى الجنوب بكل الطرق المتوفرة  . والذي يشجع العدو على هذه المؤامرة وجود حكام عرب وصلوا للحكم بانقلابات عسكرية مدبرة او  عوائل حاكمة مسيرة.

وعلى الشعوب العربية ان تفيق من رقادها فالحرب على هذه الشعوب تفوقت على الحروب الصليبية مليون مرة.

مع تحياتي..

وسوم: العدد 786