ما أبدَعُ أن تكون الرذائل ، حوافزَ لتعلّم الفضائل.. وبضدّها تتميّز الأشياءُ !
ماأروعَ ، أن يتعلّم العاقلُ ، الأخلاقَ الحسنة ، من مراقبة ذوي الأخلاق السيّئة ؛ كأن يتعلّم الكرمَ ، من البخيل .. والصمتَ ، من الثرثار.. والحِلمَ ، من الأحمق .. والنُبل ، من الدَنيء.. والسمُوّ، من الساقط .. والأمانة ، من الخائن .. والشجاعة ، من الجبان .. والصدق ، من الكذاب .. والوفاءَ ، من الغدّار !
في القصيدة المشهورة ، في تاريخ الأدب العربي ، والمسمّاة : اليتيمة .. يقول الشاعر:
حين نرى ظلمَ بعض الحكّام ، المحسوبين على أمّة الإسلام ، نتذكّر ضدّه ، عدلََ عمرَ بن الخطّاب !
وحين نَسمع قول عمر أبي ريشة:
حين نسمع هذين البيتين ، تقفز، إلى أذهاننا ، فوراً ، صورة المعتصم بالله العبّاسي ، وهو يقف ، هاتفاً : لبّيكِ .. لبّيكِ .. ياأختاه ! وذلك ؛ تلبيةً ، لصرخة امرأة ، أهينت ، في بلاد الروم ، فنُقلت إليه ، استغاثتُها ، فهبّ يجهّز جيشاً عرمرماً ، ليغزو مدينة عمّورية ، أحصن قلاع الروم ، في حينها !
وتقفز، مع صورة المعتصم ، صور أخرى ، حديثة ، لحكّام أنذال ، يتساقَون الخمرة ، على أصوات الاستغاثات ، الصادرة ، عن النساء ، اللواتي تُنتهك أعراضُهنّ .. والاستغاثات الصادرة ، عن الشيوخ ، الذين تُمتهن كراماتهم ، وعن الأطفال ، الذين تُسحق براءاتهم ، وعن سائر المظلومين ، في الشام ، من : معتقلين ، ومشرّدين ، وجياع ، ومعذّبين بأيدي الظَلمَة الفَجَرة !
وحين نرى أجهزة الأمن ، تَقتحم بيوت المواطنين ، في كل ساعة ، من ليل ، أونهار.. تُروّع الآمنين ، وتَجرّ الرجال والنساء ، والأطفال والعَجزة والشيوخ ، جَرّاً ، إلى المعتقلات والسجون .. تقفز، إلى أذهاننا ، فوراً ، صورة الجاهلي المتجبّر ، أبي جهل ، وهو يُحاصر بيت النبيّ ، ليلة الهجرة ، يَردّ ، على مَن اقترحَ اقتحامَ بيت النبيّ : كلاّ .. والله ، لاتقول العربُ ، إنّا تسوّرنا ، على بنات العمّ !
وحين نرى بعض المحسوبين ، على فصائل الثورة ، في الشام ، يقتتلون ، فيما بينهم ، من أجل الحصول ، على مغانم هزيلة ، وعدوّهم يدمّر بيوتهم ، على رؤوس أهليهم ، ويدمّر المساجدَ ، على رؤوس المصلّين .. حين نرى هذه الدُونيّة ، نتذكّر قول عنترة العبسيّ، الجاهليّ ، وهو يقول ، لابنة عمّه ، بأنَفَة ونُبل :
وحين نرى العلمانيين ، في بلادنا ، يلفّقون التهَم ، للإسلاميين ، شركائهم ، في : الوطن ، والثورة ، والمصير.. ويَكيلون ، لهم ، الشتائم ، ويتقرّبون ، إلى ساسة الغرب ، بإظهار عداوتهم ، ووصفهم بصفات ، يعلمون أنهم ، أبعدُ الناس عنها .. حين نرى هؤلاء العلمانيين، تتراءى لنا ، صورة أبي سفيان - وكان مايزال غلى جاهليته- حين سأله قيصرُ الروم ، عن محمّد النبيّ : هل يغدر؟ فخشي أبوسفيان ، من معرّة الكذب ، وآثاره على سمعته .. مع رغبته ، في إيذاء النبيّ ، أمام قيصر! وأجاب جواباً ، لا يُلزمه بصدق ، أو كذب ، قائلاً : نحن وإيّاه ، في معاهدة ، ولا ندري ما يكون منه !
وفي الختام : لا يسعنا ، إلاّ أن نتذكّر صورة السيّد المسيح ، وهو يسير، في أحد الشوارع، وسفهاءُ يَهود يُسمعونه كلاماً سيّئاً ، وهو يَردّ عليهم ، بكلام حسن! وحين سُئل ، عن سبب ذلك ، قال : كلٌّ يُنفِق ممّا عندَه !
وسوم: العدد 788