حتى يظهر المهدي المنتظر!
لاشك أن الثورة السورية انتكست، ونجحت الثورة المضادة بقيادة السفاح بشار في تدمير الوطن باستثناء معاقل النظام الطائفي (دمشق واللاذقية)، التي سيدبر لها الشياطين طريقة ما لتسويتها بالأرض بعد الانتهاء من عملية التغيير الديمغرافي، أو التطهير العرقي.
الثورة السورية كانت تحلم بالحرية والكرامة والمساواة والأمل والمشاركة الشعبية في مصير الوطن، ولكن الطاغية فرض عليها القتال، وكادت تنجح، لولا الاستثمار الصليبي بجناحية الأميركي والروسي، الذي حطم الثورة، وقتل المزيد من الآلاف الأبرياء، فضلا عن تهجير نصف الشعب السوري إلى أرجاء المعمورة. ويجب أن نكون صرحاء في تقديم أسباب النكسة الكبيرة:
أولا- كثرة فصائل الثورة المقاتلة وتناسلها مثل الأرانب، بصورة مذهلة، وتناحر بعضها، وكل منها له أجندته ومنطلقاته، التي تجعل تحرير الوطن من الطغيان في آخر الاهتمامات. وهذا الهدف- التحرير- كان ينبغي أن يكون جماع كل الأهداف، وأن تؤجل الغايات والإيديولوجيات الأخرى إلى ما بعد الخلاص من الطاغية ونظامه الإرهابي الطائفي المعادي لكل القيم الإنسانية. لقد ساعد ذلك على الانفراد بكل فصيل على حدة، وإلحاق الهزيمة به أو تصفيته.
تشرذم الثورة سبب مصائب العرب في كل مكان. ذات يوم طلب هواري بومدين من ياسر عرفات بعد أن رأى كثرة فصائل المقاومة الفلسطينية وتضارب أولوياتها أن يوحدها بالقوة، مثلما توحدت فصائل الثورة الجزائرية، التي انتصرت على المحتلين الفرنسيين، وعند المفاوضات كان بعضهم لا يجد حذاء يرتديه وهو يصعد الطائرة في طريقة إلى المفاوضات.
لم تنتبه الفصائل إلى أن تنظيم الدولة كان مسمار جحا الذي استثمرته المخابرات الغربية ودعمته من أجل التدخل، لا لمساعدة الشعب السوري والشعب العراقي وإنقاذهما من الحكم الطائفي الدموي بل لوضع أقدام الغرب في أماكن الثروة ونقاط التحكم. كما لم تنتبه إلى أن الغرب لا يقف إلى جانب الشعوب المظلومة، ولكنه يسعى لتدميرها من أجل ثرواتها وأموالها. ونفاقه مفضوح وواضح وضوح الشمس.
ثانيا- وثقت الثورة في بعض الدول العربية المساندة ثقة مطلقة، ونسيت أن هذه الدول لا تملك من أمرها شيئا، وأنها تخضع في قراراتها للدول الصليبية ودولة الغزو النازي اليهودي في فلسطين المحتلة، وهو ما رأيناه في تذبذب مواقف هذه الدول، وامتناعها عن تقديم الأسلحة المضادة للطيران والبراميل المتفجرة، وقد أحدث ذلك خسائر فادحة بالفصائل المقاتلة. ثم رأينا هذه الدول تتراجع بصورة شبه تامة عن تقديم أي دعم، مما أدى إلى انهيار كبير في موقف الفصائل.
ثالثا- ارتضى القوميون والانقلابيون وأشباههم من الأحزاب والقوى السياسية على امتداد العالم العربي أن يؤيدوا السفاح تحت ذرائع الخوف على وحدة سورية وترديد قصة المقاومة والممانعة، وهو ما لا وجود له على الأرض منذ خمسة وأربعين عاما. ومن المؤسف سقوط بعض الإعلاميين في فلك النظام، وكانوا من قبل يظهرون في صورة المناضل صاحب المواقف، فباعوا شاشاتهم وصحفهم ومواقعهم للسفاح، وسادته المحتلين الذين يدنسون أرض سوريا الحبيبة.
رابعا- تحركت إيران والميليشيات الطائفية التابعة لها في لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان، لتساعد النظام الدموي الإرهابي، وتصبغ المعركة بين الثورة والنظام بصبغة طائفية كريهة، لا تنتصر لشعب مظلوم، ولا تدافع ضد عدو رابض على الحدود، بل إن هذا العدو كلما قصف النظام أو القواعد الإيرانية أو المعسكرات الطائفية، راحت القوات الطائفية توجه نيرانها وقذائفها وبراميلها إلى مستشفيات الشعب السوري المظلوم ومساجده وأسواقه وبيوته وشوارعه وميادينه، ليتراكم عدد الضحايا المساكين من الأطفال والنساء والرجال الأبرياء.
رابعا- كان الفيصل الحاسم في المعركة هو التدخل الصليبي الروسي الإرهابي، فقد استدعى السفاح الطاغية- بعد أن تعثرت القوات الطائفية لإيران والميليشيات- جيش الاحتلال الروسي الذي باركه الأنبا كريل رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في موسكو، ووصف مهمة الغزاة الروس بالمقدسة. وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 3 أغسطس 2018 أن مجموع القوات الروسية التي شاركت في الحرب على الشعب السوري بلغ 63012 جندياً روسياً. شمل هذا الرقم 25738 ضابطاً و434 جنرالاً، إضافة إلى 4329 مختصاً في المدفعية والصواريخ. كما نفذت طائراتها أكثر من 40 ألف طلعة جوية، واختبرت 231 نوعاً من الأسلحة الحديثة.
كسب الطاغية كسر الثورة، ولكنه خسر سورية، فقد صارت مرتعا لقوات الاحتلال من شرقها إلى غربها، ففي الشرق والشمال الشرقي تربض القوات الأميركية والحلفاء الأوربيون، وتستغل أميركا حركة الانفصال الكردي لتسيطر على المنطقة الشرقية بما فيها من نفط وثروات معدنية، وفي الوسط تمرح القوات الطائفية لإيران والميليشيات، وفي الغرب تتسيّد روسيا المكان بقواعدها وسيطرتها على الشاطئ السوري.
خامسا- في محاولة لالتقاط الأنفاس لتجنب كبرى المذابح المتوقعة في إدلب بعد أن تم حشر بقايا الفصائل المنهزمة على أرضها، تلعب روسيا وإيران وتركيا لعبة اختبار القوى، وفي قمة طهران التي انعقدت يوم الجمعة7/9/2018 رواغ الروس والإيرانيون في احترام اتفاق الحفاظ على مناطق خفض القتال، وركزوا على ما يسمى بمحاربة الإرهاب (الضحايا من الشعب السوري البريء دائما)، وأخفقت القمة في الوصول إلى نتائج تمنع المذبحة المتوقعة، وهو ما جعل الرئيس أردوغان يردد بيتا من قصيدة "بني آدم" الشهيرة للشاعر الفارسي سعدي الشيرازي يحرج به الرئيس الإيراني ومن معه. يقول البيت: «إذا أنت للناس لا تتألم.. فكيف تسميت بالآدمي»، وفي القصيدة يقول الشيرازي «بنو آدم جسد واحد، إلى عنصر واحد عائد، إذا مس عضواً أليم السقام، فسائر أعضائه لا تنام، إذا أنت للناس لا تتألم، فكيف تسمى بالآدمي».
في المقابل ذكرت وكالات الأنباء في 28/7/ 2018 ، أن مقطع فيديو أظهر العميد "سهيل الحسن"، الملقب بـ "النمر"، صديق الأسد وهو يقول: إن قوات بشار الأسد ستقاتل حتى ظهور "المهدي المنتظر" أو "الانتصار". وفي مقطع فيديو سابق ادّعى "النمر"، بأن رئيس النظام السوري "هو رسول الله في هذا الزمن".
الإنجاز الكبير(؟) الذي حققه سفاح دمشق، هو تقديم سورية للمحتلين الكبار والصغار على طبق من دمار، وجلس على جماجم ما يقرب من مليون سوري مظلوم، وأطلال المدن والقرى التي تنعى من بناها، وتبكى من سكنها ومضى.. ولا شك أنه سعيد مع السادة المحتلين، حتى ينهض الشعب من تحت الأنقاض، ويصحح الأوضاع!
الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!
وسوم: العدد 790