أعداؤنا أرحَمُ ، بنا ، منّا !
يَصرخون ، بملء أشداقهم ، كلّ يوم ، بل ؛ كلّ ساعة : نحن أعداء لكم ، وسوف ندمّركم .. فمن كان لديه عقل ، منكم ، فلينتبه !
هذا ما تصرّح به أفعالهم ، وما تضجّ به : تصريحاتهم ، وتحليلاتهم ، وأقوالهم ! فبمََ نجيبهم ، دائماً : لا ، أنتم الخير والبركة .. أنتم المدنية والحضارة .. أنتم الحبّ والصداقة .. أنتم العلم والتكنولوجيا .. أنتم الأمن والسلام !
يزعقون ، في وجوهنا ، بتحدّ فظّ عجيب : نحن أبالسة .. نحن ذئاب .. سوف نمتصّ دماءكم، وقوتَكم ، وحليب أطفالكم ، ونفطكم ، وعقولكم ، وضمائركم .. سوف نخرّب بيوتكم ، ونحتلّ أراضيكم ، ونستأصل جذوركم ..! فنقول لهم ، باسمين : بل أنتم الطهر والنقاء ، والثقافة والأدب ، والإنسانية الرفيعة .. أنتم الحقّ والعدل والجمال .. هيهات أن يصدر عنكم ، سوى الخير المحض : لنا ، ولنسائنا ، وأطفالنا ، ولحاضرنا ، ومستقبلنا ؛ لذا، لن نخشاكم..وكيف نخشى هذه القمم السامقة ، من التمدّن ، والرقيّ ، والحضارة ، والموضوعية ، والعدل ، والإنصاف !؟
يرفعون الأقنعة المزركشة ، عن وجوههم الكالحة ، وأنيابهم الزرقاء .. فنبادر، بأيدينا ، لنلبسهم الأقنعة ، من جديد.. وإن تخرّقت ، صنعنا لهم ، في ديارنا، أقنعة جديدة ، أشدّ بريقاً، وأجمل زخرفة .. وغطّينا بها وجوههم ، من جديد ، ووقفنا ننظر إليهم : بأدب ، واحترام ، ودُونيّة غريبة !
نقرأ ، على جباهههم ، وفي عيونهم ، عبارة : نحن الكفرة الفجرة ! فنلصق فوقها أوراقاً ، مكتوبة بخطّ أيدينا : بل ؛ أنتم الكرامُ البرَرَة !
يزيحون ، عن ساحة الصراع ، أطرافاً من الستائر المضلّلة ، التي موّهوا، بها، هذه الساحة، طويلاً ، لتبدو، على حقيقتها : سافرة ، رهيبة ، كفراً يصارع إيماناً ، وباطلاً يسحق حقّاً ، وظلماً يحاصر عدلاً ! فنغمض عيوننا ، رهبة .. ونسارع ، إلى إسدال الستائر، من جديد، متمتمين ، بغباء نادر شاذّ: لا..لا.. ليست الأمور، بهذه الحَديّة ، وليس الصراع ، بهذه الحِدّة، ولسنا متطرّفين ، ولا متعصّبين ، ولا متزمّتين ؛ حتى ننظر، إلى طبيعة الصراع ، بهذا المنظار القاتم !
يصفعوننا ، وهم يتوقّعون ، أن نعضّ يدهم .. فنقبّل هذه اليد، بنشوة لذيذة ، وننحني ، بصَغار مخيف ، لنقبّل التراب ، الذي يمشون عليه !
يكيدون ، لنا ، ليلاً نهاراً ، ويهدّدوننا ، قولاً وفعلاً .. ويَصدقون ، في كلّ مايقولون ويفعلون..
فلمَ ؟ لمَ لا نصدقهم ؟ لمَ نَكذب ، على أنفسنا ، ونفترض أنّهم غير صادقين !؟
الجوابُ في غاية البساطة :
لوصدّقناهم ، لاقتضى هذا التصديق ، منّا ، موقفاً .. موقفاً ، نكون ، فيه ، رجالاً ، أو بشراً، أو.. أو مخلوقات حيّة ، تدفع ، عن أنفسها، الأخطار! فهل نحن مؤهّلون ، لاتخاذ مثل هذا الموقف !؟
الجواب : الآن ، لا .. والمستقبل لا نعلمه !
إذن ؛ فلنظلّ نَكذب على أنفسنا ، مفترضين ، أن أعداءنا ، غير جادّين ، في ذبحنا ، أوإزالتنا من الوجود !
أفليس أعداؤنا أصدقَ ، معنا ، منّا !؟
أوليسوا أرحَمَ ، بنا ، منّا !؟
وسوم: العدد 791