وقفة مع الحملة المنسقة التي تلت الربيع العربي لتيئيس الشعوب العربية من الرهان على الإسلام كحل
إذا كان المحللون قد اختلفوا في تفسير بواعث الربيع العربي بثوراته الساخنة وغير الساخنة ، حيث ذهب البعض إلى أنه صناعة غربية أطلقت عليها عبارة الفوضى الخلاقة ، بينما ذهب البعض إلى أنه ربيع حقيقي حان أوانه ، فإن تفاعل الشعوب العربية معه لم يكن تمثيلا مسرحيا بل كان تفاعلا واقعيا لا ينكره إلا جاحد أو مكابر .
وإذا ما سلمنا جدلا بأن هذا الربيع كان من تخطيط الغرب ، فإن القصد من ورائه كان حتما هو قياس وعي الشعوب العربية ، ومعرفة توجهها بعد فترة طويلة من اليأس القاتل تلت نكبة فلسطين، وما تمخض عنها من نكسات متتالية ، وهي فترة طالت أكثر من اللازم ، وقد راكمت خلالها هذه الشعوب كل مشاعر السخط والغضب والتذمر من سوء أحوالها بسبب فساد أنظمتها ، وفشلها وتقاعسها عن الخروج بها من أزمة خانقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .
وأول ما أفرز الربيع العربي رفع شعار الرهان على الإسلام كحل لخروج الشعوب العربية من تلك الأزمة الخانقة ،ذلك أنه ما كادت أركان بعض الأنظمة الفاسدة تتقوض حتى سارعت تلك الشعوب إلى التصويت على أحزاب سياسية رفعت شعار الإسلام ، وأعلنت مرجعيتها الإسلامية ، ولعل هذا ما كان الغرب يريد معرفته إن كان هو بالفعل من صنع الربيع العربي كما يذهب إلى ذلك البعض.
وما كاد الغرب يتيقن من رهان الشعوب العربية على الإسلام حتى سارع إلى تشويهه عن طريق توظيف عصابات إجرامية مرتزقة تدعي الانتساب إليه ، وتمارس باسمه الفظائع ، وقد أعلنت عما سمي خلافة إسلامية وهمية . وكانت هذه العصابات المصنوعة صناعة مخابراتية غربية هي المطية التي ركبها الغرب لإعلان حربه على ما صار يسميه إسلاما سياسيا ، وهي تهمة أصبح من السهل تلفيقها لكل من يرفع شعار " الإسلام هو الحل " ولو كان ينبذ العنف، ويقبل المشاركة في اللعبة الديمقراطية التي أقدس مقدسات الغرب .
وكانت الجولة الأولى من الحرب على ما يسميه الغرب حربا ضد الإسلام السياسي هي الانقلاب العسكري الدموي في مصر على ديمقراطية فتية فيها ،وعلى شرعية لم تكن فيها من قبل وهو انقلاب خطط له الغرب وباركه وسكت عليه سكوتا لا يحسن كما يقول النحاة ، ومولته أموال النفط العربي . ولم يسبق للغرب أن سكت ولم يدن انقلابا عسكريا على شكل من أشكال الديمقراطيات إلا في مصر التي أوصلت فيها صناديق الاقتراع حزبا أعلن مرجعيته الإسلامية .
ومباشرة بعد الجولة الأولى من حرب الغرب على ما يسميه الإسلام السياسي خطط هذا الغرب بمكر لمنع تكرار التجربة الديمقراطية المصرية خصوصا وأن مصر كانت دائما بمثابة القاطرة التي تجر عربات القطار العربي ، فتم تحويل ثورات الربيع العربي وحراكاته ضد الفساد إلى حروب وصراعات طائفية لا زالت نيرانها مستعرة ، وقد زادت في استعارها العصابات الإجرامية المصنوعة مخابراتية ،والتي أعطت المبرر لتدخل الغرب في بؤر التوترات الطائفية وتسليحها بذريعة محاربة ما يسميه الإسلام السياسي .
وموازاة مع تسعير نيران الحروب الطائفية ، تم إفشال كل التجارب الديمقراطية في البلدان العربية التي نجت من تلك الحروب الطائفية بأساليب لا تخلو من كيد ومكر حيث تم التركيز على إظهار الأحزاب المحسوبة على المرجعية الإسلامية بمظهر العاجزة والفاشلة في التدبير والتسيير علما بأن بعض تلك الأحزاب انخرطت في ذلك بشكل أو بآخر عامدة أو دون قصد منها ، وعلم ذلك عند الله عز وجل لا يجلّه إلا هو ،الشيء الذي جعل الشكوك تحوم حول دورها في لعب دور الفشل ،وهو ما يرجح الميل إلى الاعتقاد بانخراطها في مؤامرة تشويه الإسلام وتيئيس الشعوب العربية من فكرة الرهان عليه للخروج من أزمة الفساد الخانقة.
وبالفعل ساد التذمر من أداء بعض تلك الأحزاب التي تخلفت عن سابقاتها وفاقتها فشلا ، وكرست المزيد من الفساد والإحباط بعدما ما كان التعويل عليها لزحزحة وضعية الفساد . وما أظن أن الرهان سيكون على تلك الأحزاب في التجارب الانتخابية المقبلة بعد سوء أدائها السياسي، فضلا عما سجل عن قياداتها من فضائح تتراوح بين ما هو أخلاقي ، و ما هو ريعي ، وما هو دون ذلك.
ومهما تكن الجهات المتورطة في تيئيس الشعوب العربية من الرهان على الإسلام كحل ، فإن المستفيد من هذا التيئيس هو الأنظمة الفاسدة التي انحنت لعواصف الربيع العربي لتعود من جديد بقوة وشراسة ، وقد ساد بالفعل الشعوب العربية اليأس من التخلص منها والغرب يدعمها بقوة كي تعيد شبح الإسلام إلى قمقمه بالحديد والنار والقبضة الحديدية ، والفترات الرئاسية الممدة للديكتاتوريات إلى رئاسات مدى الحياة .
وأمام هذا تنشط عدة جهات مغرضة في حملة منسقة ومسعورة لبث اليأس في نفوس الشعوب العربية من الرهان على الإسلام كحل لأزمة الفساد الخانقة .
ومن مظاهر هذه الحملة ما يسوق له الإعلام بأنواعه الرقمي والفضائي والأثيري والورقي من مواد إعلامية مشبوهة يربط بينها هدف واحد هو استهداف الإسلام بشتى الطرق والأساليب ، ومنها مؤاخذته بما يقترفه بعض المحسوبين عليه إلى درجة اختزاله في شكل أشخاص متورطين في بوائق ينكرها ويجرمها ،وقد وجد في ذلك خصومه على اختلاف مشاربهم ضالتهم للنيل منه بتحميله مسؤولية ووزر أولئك لتشويهه، وتيئيس أهله منه ليميلوا إلى غيره كبديل عنه.
والغائب عن أذهان هؤلاء الخصوم أن الإسلام هو قبل كل شيء إرادة الخالق جل وعلا والتي لا راد لها، لأنه سبحانه وتعالى تعهد بأن يوكل أمر هذا الدين إن كفر به قوم إلى غيرهم ممن ليسوا به بكافرين، وعليه لا ينفع التآمر عليه ولا المكر به وربه هو خير الماكرين . ولا شك أن التآمر على الإسلام لن يزيده إلا قوة ، وستكون النتيجة التي يريدها خصومه عكس ما يريدون كما سجلت ذلك رسالته الخاتمة التي قصت علينا أنباء الماضي ، وكانت دائما تشير إلى أن وراثة الأرض لمن أخلصوا لهذا الدين وصدقوا في الانتساب إليه .
وسوم: العدد 811