تطبيع الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني

تطبيع الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني المحتل دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الكاملة خيانة عظمى لقضية الأمة العربية  

إن الكيان الصهيوني منذ استنباته كسرطان خبيث في قلب الوطن العربي النابض من طرف قوى الاحتلال البريطانية ،ظل يراهن على عامل تراخي الزمن لتثبيت احتلاله لأرض فلسطين من أجل تحقيق حلمه التوسعي المتمثل فيما يسميه دولة إسرائيل الكبرى ما بين نهري الفرات والنيل، انطلاقا من أساطير وأوهام  يصر على جعلها حقائق ، ويعتمدها لاختلاق وطن يستمد مشروعيته الزائفة من تلك الأساطير الباطلة .

ومع مرور الزمن ظل هذا الكيان المحتل والذي لم يعرف التاريخ  البشري مثيلا لشراسته وعدوانيته يتحسس مواطىء قدم  كما يقال ليوسع من احتلاله ، وفي نفس الوقت يوفر له الدعاية الإعلامية  الواسعة على المستوى الدولي لإضفاء الشرعية عليه معتمدا على تأثير اللوبي الصهيوني  النافذ في الأنظمة الغربية المؤيدة له تأييدا غير مشروط ولا حدود له . وهكذا ظل هذا الكيان الصهيوني يقطع المرحلة تلو الأخرى لترسيخ احتلاله  شيئا فشيئا ، وكلما خطا خطوة في هذا الاتجاه خطط للخطوة التي تليها مغتنما كل فرصة تعن له بسبب الظروف الدولية والإقليمية  المواتية له في المنطقة العربية .

ولقد خاض هذا الكيان السرطاني الخبيث حروبا عدة معتمدا نفس المنهجية في اقتناص الفرص السانحة ، واستغلال الظروف المواتية، علما بأن تلك الفرص كانت تزداد مع كل انتخابات أمريكية ، ذلك كل رئيس أمريكي لا يحلم بدخول البيت الأبيض قبل أن يتعهد بتقديم أقصى ما يستطيعه من دعم ليمضي الكيان الصهيوني في تحقيق ما يصبو إليه .

وكان  مجيء كل رئيس أمريكي شرا ووبالا على القضية الفلسطينية  ومكسبا للاحتلال الصهيوني حتى جاء الرئيس الأمريكي الحالي، فأعلن بكل غطرسة تهويد مدينة القدس ، وأعلن توقيعه بالحروف العريضة على ذلك ، ونقل سفارة بلاده إلى حيث لم يكن بوسع من سبقه أن ينقلها ، وكان ذلك مكسبا كبيرا بالنسبة للكيان الصهيوني لا شك أنه تم التخطيط له من قبل ، وجاء تنزيله في الظرف الحالي المناسب، وهو ظرف  عرف الإجهاز على ثورات الربيع العربي التي كانت تعقد عليها الآمال للحد من أطماعه  التوسعية، وتسريع وتيرة تحقيق حلمه.

ومع إفشال ثورات الربيع العربي، وعودة وضعية ما قبلها ، وهي وضعية ما بعد النكبة والنكسات  والتي صارت أسوأ مما كانت عليه  بسبب الفوضى  العارمة التي قوضت أركان الوطن العربي، وأشغلت فيه نيران الصراعات  المسلحة الدامية والمدمرة، سنحت الفرصة للكيان الصهيوني كي يبدأ ما سماه التطبيع مع الأنظمة العربية خصوصا تلك التي ساهمت في الإجهاز على ثورات الربيع العربي وإخماد جذوتها، ليبدأ مرحلة  محاولة تهميش القضية الفلسطينية  وتغييبها  ومحاولة طمس حقوق الشعب الفلسطيني .

وتحت ضغط الإدارة الأمريكية انصاعت تلك الأنظمة العربية، وقبلت بالتطبيع مع الكيان الغاصب ،خصوصا وأنها في نظر الإدارة الأمريكية لا تستطيع دون حمايتها الدفاع عن نفسها والصمود في وجه التهديد الإيراني أكثر من أسبوع ، وهو وقت كاف لتصير تتحدث باللسان الفارسي عوض اللسان العربي على حد قول الجهة المهددة لها، والتي ابتزتها ماديا من خلال أضخم عملية ابتزاز شهدها التاريخ ، والتي  قيل عنها أنها فاقت بكثير ما أداه الصليبيون واليهود من جزية للمسلمين خلال  قرون طويلة .

وآخر حلقة من حلقات التطبيع مع الكيان الصهيوني ،هي لقاء وارسو الأخير ، وقد سبقت بحلقات  ظلت طي الكتمان إلا أنه بدأ مؤخرا نزع السرية عنها ، وإن لم تكن سرا حتى خلال فترة  كتمانها بالنسبة للرأي العام العربي  الواعي بها كل الوعي . ولقد سجل الكيان الصهيوني هدفا ثمينا كما يقال في مجال لعبة كرة القدم في هذا اللقاء حيث نقلت قناة صهيونية مشهدا من مشاهد هرولة الأنظمة العربية للتطبيع ، ذلك أن وزير خارجية أحد الأنظمة العربية وهو بتسلل خلسة من  خلال مرأب أرضي  تركن فيه السيارات ليلتقي برئيس وزراء الكيان الصهيوني في مقر إقامته . ولا شك أن هذا لم يكن التسلل الوحيد الذي حصل في هذا اللقاء  من أجل التمهيد للتطبيع  العلني مع هذا الكيان السرطاني الخبيث  على حساب القضية الفلسطينية التي تستمد قدسيتها من قدسية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .

ومن المحزن أن ينطلق الكيان الصهيوني المحتل من أساطير وأوهام  لتحقيق حلمه ، بينما تتجاهل أنظمة عربية مهرولة للتطبيع معه حقائق الوحي الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه والذي يقضي ويجزم قطعا بحتمية زوال هذا الكيان  الغاصب بالرغم من فساده  وعلوه في الأرض مرتين .

وأخيرا نقول للشعوب العربية إن مسؤولية ضياع فلسطين تقع عليها ،لهذا يجب أن تتحرك في هذا الوقت بالذات لإحباط كل شكل من أشكال تطبيع  أنظمتها مع العدو الصهيوني المحتل وهو خيانة عظمى .

 وعلى البرلمانات الموجودة في الدول العربية التي  تدعي تبنى النهج الديمقراطي على علاته أن تحترم إرادة شعوبها ، وأن تتحمل مسؤوليتها ، وتنهض بدورها للحيلولة دون وقوع هذه الخيانة العظمى التي هي قبل كل شيء خيانة لله عز وجل.

وسوم: العدد 812