قراءة في أخطر خطاب ألقاه عبد الفتاح السيسي
رغم الخطابات التي لا تتوقف لعبد الفتاح السيسي، قائد النظام الانقلابي في مصر، والتي حولته إلى أراجوز ومهرج ومصدر للسخرية والاستهزاء والضحك لدى الناس، إلا أني أعتبر الخطاب الأخير الذي ألقاه في ذكرى يوم الشهيد (10 آذار/ مارس 2019) من أخطر الخطابات التي ألقاها. فالخطاب الذي استمعت إليه بدقة ولبعض فقراته أكثر من مرة؛ جاء بعفوية، كما قال السيسي خلاله، ومن هنا تكمن خطورته؛ أنه عكس ما يجري داخل العقل الباطن للسيسي من شعور بالجرائم التي ارتكبها، والأكاذيب التي يمارسها والهواجس التي تنتابه، والمخاوف التي تؤرقه، والشعور بالفشل والإحباط الذي يعيش فيه. ويمكن لكل من لم يشاهد الخطاب أن يشاهده ليرى ما رأيته، أو يعيد مشاهدته إن لم يكن قد لاحظ ما لاحظته. وهنا أقف على نقاط محددة كنت شاهدا على بعضها، وهي تعكس أهم ما جاء في هذا الخطاب الخطير:
أولا: أن الجرائم التي ارتكبها عبد الفتاح السيسي حينما كان مديرا للمخابرات الحربية وعلى رأسها جريمة مجزرة محمد محمود التي وقعت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2011، وقُتل فيها ما يزيد على تسعين مصريا من الثوار وجرح مئات آخرون، وفقد أكثر من ستين من الثوار عيونهم جراء استهدافها من قناصة السيسي.
وتؤكد كل الوثائق التي جمعتها كشاهد، والتي حققتها عن هذه المجزرة، كإعلامي، أن المسؤول الأول والأخير عنها هو المجرم عبد الفتاح السيسي، الذي كان مديرا لجهاز المخابرات العسكرية آنذاك ومسؤولا عن إدارة كل الأجهزة الأمنية في مصر، وأن الذي نفذتها هي الوحدات التابعة لجهاز المخابرات العسكرية، وتحديدا الوحدة 777، المشتقة من قوات الصاعقة والمتخصصة في مقاومة الإرهاب، والوحدة 999، وهي وحدة العمليات الخاصة لقوات الصاعقة التي كان السيسي يضع شارتها على كتفه في تلك المرحلة. وهاتان الوحدتان قامتا بكل العمليات الإجرامية مع قوات مكافحة الإرهاب التابعة لجهاز أمن الدولة في وزارة الداخلية؛ ضد الشعب المصري خلال أحداث 25 يناير وما بعدها.
وقد تمت مواجهة عبد الفتاح السيسي في تلك المرحلة بتلك الجرائم، وكان رد فعله عنيفا على من قام بمواجهته، لا سيما وأن الذي واجهه حمل له معلومات وحقائق دامغة، بأسماء الضباط المتورطين والذين يتبعونه مباشرة ويتلقون الأوامر منه، واشتهر منهم قناص العيون الملازم أول (آنذاك) محمد صبحي الشناوي؛ الذي قام الثوار بتصويره، وصوره موجودة على شبكة الإنترنت بكثرة.. ثم يأتي السيسي الآن ويتهم الإخوان بأنهم كانوا وراءها. ولأن علماء النفس يؤكدون أن المجرم دائما يظل (حتى يموت) تؤرقه جرائمه وتسيطر على عقله الباطن وتفكيره، وكلما تذكرها أو تحدث عنها فإنه يقول بعض الحقائق مع كثير من الأكاذيب، فإني أؤكد، كشاهد عيان عاش تلك الأحداث بتفاصيلها ومحقق صحفي جمع وثائقها آنذاك، أن هذه الجريمة تؤرق عبد الفتاح السيسي وتمنع عنه النوم، وقد ذكرها في خطابه العفوي -حسب كلامه- لأن عقله الباطن لم يستطع على الإطلاق، ولن يستطيع، أن يتجاوزها؛ هي وكل الجرائم التي سبقتها والتي تلتها.
ثانيا: ما ذكره السيسي عن البيان الذي أعده المجلس العسكري خلال هذه الأحداث يؤكد أنها كانت أحداثا مفصلية في تاريخ مصر الحديث، كما أكد من شاركوا فيها وتابعوها عن قرب، وأن المجلس العسكري وصل فيها إلى حد الاستجابة لمطلب تسليم السلطة. ولو أن الإخوان المسلمين انضموا فيها إلى الشعب وإلى المتظاهرين في محمد محمود؛ لأجبروا المجلس العسكري على التنحي. فقد كان المجلس العسكري في أسوأ أوضاعه وأكثرها هشاشة؛ لأن كل الثوار آنذاك أصبحوا على يقين بأن المجلس العسكري الذي ادعى أنه وقف إلى جانب الثورة والثوار؛ كان هدفه الحقيقي هو الإطاحة بمبارك لإفشال مشروع التوريث، وليس تسليم السلطة للشعب، وأنه استخدم ثورة الشعب ضد النظام لتحقيق ذلك، وأن كل الجرائم التي ارتكبت في التحرير ووزارة الداخلية وماسبيرو واستاد بورسعيد؛ ليست سوى من تخطيط وتنفيذ المجلس العسكري، وذكر السيسي لها في الخطاب يؤكد ضلوعه فيها واستقرارها في عقله الباطن.
ثالثا: كل ما ذكره السيسي تعريضا عن دور الإخوان المسلمين واتهامهم بقتل المتظاهرين؛ هو تزييف للحقائق والتاريخ، لأنه يعلم جيدا أن الإخوان كتنظيم لم يشاركوا في أحداث محمد محمود، وأن الذين شاركوا من الإخوان في تلك الأحداث قاموا بذلك بشكل فردي وفي مخالفة لقيادتهم، ولهذا انتشرت مقولة لدى الثوار بأن "الإخوان باعونا في محمد محمود".
وقد كان السيسي آنذاك على اتصال مباشر بقيادات الإخوان، ولا يُستبعد أنه هو الذي طلب منهم (بناء على طلب المجلس العسكري) عدم المشاركة في هذه التظاهرات. وكانت اتصالات السيسي بقيادات الإخوان المسلمين بدأت قبل أن يخرجوا من السجون، ثم توطدت بعد أن خرجوا من السجون. ولأن الإخوان كانوا يرغبون في نسج علاقة جيدة مع النظام الجديد، فقد استجابت قيادتهم لكثير من مطالب المجلس العسكري على حساب المطالب الشعبية، مما أدى إلى خلافات كبيرة داخل الإخوان؛ أدت إلى إقالة أو استقالة كثير من القيادات الشبابية التي شاركت في الثورة.
لذلك، فإن السيسي من خلال ما ذكره عن قتل أكثر من 90 مصريا في أحداث محمد محمود وجرح المئات؛ يؤكد ضلوعه ورجاله من ضباط وجنود 999 و777 وضباط الداخلية الذين كانوا يتلقون الأوامر منه مباشرة، كما اعترف هو في خطابه الأخير، حيث كانت وستبقي هذه الجريمة مع غيرها تقض عليه مضجعه وتؤرق حياته.
رابعا: التدليس الكبير في خطاب السيسي من اتهام الإخوان تعريضا بأنهم هم الذين قتلوا المتظاهرين أمام وزارة الداخلية وماسبيرو وأحداث استاد بورسعيد، علاوة على محمد محمود، ثم عدم إكماله الرواية وتردده ثم حديثه عن أخطاء للشرطة، يكشف عن الخطة التي تم تسريبها قبل الانتخابات الرئاسية في 2012؛ من أن المجلس العسكري أعد خطة لتوريط الإخوان المسلمين ومحاكمتهم على هذه الجرائم التي ارتكبها المجلس العسكري وقواته الخاصة، تحت قيادة السيسي. وطريقة حديث السيسي المترددة والمتناقضة عن هذ الأحداث في خطابه؛ تكشف عن أن عقله الباطن يؤكد أنه يعيش هذا المأزق.. مأزق استقرار الجريمة داخله، وأكذوبة نسبتها للإخوان، رغم أن كل المتظاهرين كانوا يشاهدون قناصة وحدتي 777 و999 التابعتين للسيسي؛ وهي تطلق الرصاص عليهم، وهذا ما يحدث الآن في المحاكم المصرية، حيث أن الإخوان يحاكمون على أنهم قتلوا المتظاهرين في هذه الأحداث، علاوة على مجازر رابعة والنهضة وكل ما ارتكبه السيسي من جرائم بعد ذلك.
خامسا: تأكيد السيسي في خطابه أنه كان مسؤولا؛ ليس عن المخابرات العسكرية فحسب، وإنما عن كل الأجهزة الأمنية في تلك الفترة يعني مسؤوليته الكاملة عن كل الجرائم التي ارتكبت من قبل قوات المخابرات العسكرية وكل الأجهزة الأمنية الأخرى.
سادسا: اعتراف السيسي بأنه كان مكلفا من المجلس العسكري بالتواصل مع الإخوان المسلمين؛ ربما كان من الأشياء الصادقة القليلة التي قالها في خطابه وهو كذوب، وهذا يؤكد عدة روايات حصلت عليها من مصادر مختلفة في تلك الفترة، بعضها من قيادات الإخوان التي كان يتواصل معها السيسي. وعلى خلاف ما ذكره في خطابه، فإن الإخوان لم يسألوه مطلقا عن تقديم مرشح للرئاسة، بل هو الذي عرض الأمر عليهم بتكليف من المجلس العسكري، وهو الذي قام بالتأكيد لواحد بعينه من قيادات الإخوان التي كان يتواصل معها؛ بأن المجلس العسكري سوف يدعم ترشحه للرئاسة إن أقدم على ذلك، بل إنه قال له إن المجلس العسكري يثق فيه شخصيا، وأن سوزان زوجة مبارك كانت تكرهه أكثر من كل قيادات الإخوان لأنها كانت تعتبره المنافس الوحيد لابنها جمال على عرش مصر بعد مبارك. وأكد السيسي لهذا المسؤول بأن قيادة المجلس العسكري لا تثق بأحد سوى بالإخوان المسلمين، وهم الأجدر بحكم مصر، وكان الهدف من كل هذا هو إيقاع الإخوان في الفخ، وقد وقعوا.
هذه الحقيقة تختلف تماما عن الأكذوبة التي قالها السيسي في خطابه من أنه حذر الإخوان من الإقدام على الحكم.. على العكس تماما، لقد ورط المجلس العسكري الإخوان بشكل متعمد، والسيسي هو الذي قام بهذه المهمة، وهذا الأمر صادف رغبة أو هوى أو أي شيء آخر في نفسية هذه القيادة الإخوانية، وهذا ما جعلها تسرب هذا الأمر إلى مكتب الإرشاد وصفوف الإخوان، ليتم طرحه على الشورى، ويكون الطرح من غيره وليس منه هو. وسقط الإخوان في الفخ بعد مداولات واعتراضات وتصويت أكثر من مرة للحصول على موافقة بأغلبية هزيلة، رجحها غياب بعض المعترضين على هذا الأمر في يوم التصويت.
سابعا: السيسي كان يتواصل بتكليف من المجلس العسكري مع ثلاثة من قيادات الإخوان، منذ 25 يناير وحتى تولي مرسي السلطة، وهذا الأمر لم يعد سرا. والثلاثة هم الدكتور سعد الكتاتني، باعتباره كان رئيسا لمجلس الشعب ومسؤولا عن تكتل الأغلبية الإخواني داخل البرلمان، والدكتور محمد مرسي، باعتباره رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للإخوان، وخيرت الشاطر، نائب المرشد ومسؤول التنظيم. وأستطيع التأكيد بكل ثقة أن السيسي كان يتلاعب بالثلاثة كل على حدة، ولم يجتمع معهم -حسب معلوماتي- على الإطلاق سوى منفردين، ليسهل عليه التلاعب بكل على حدة. ومن خلال علاقته بهم استطاع السيطرة على جميع أجهزة الإخوان وقرارهم، واستطاع المجلس العسكري أن يدير الإخوان جميعا من خلال إدارته لهؤلاء الثلاثة. وبلغت سذاجة قيادات الإخوان أنهم سربوا لقواعدهم أن عبد الفتاح السيسي الذي لا يستطيع قراءة آية واحدة من القرآن قراءة سليمة؛ قريب من الإخوان، إن لم يكن منهم.
ثامنا: كان المجلس العسكري يخشي من الإخوان بشكل كبير باعتبارهم التنظيم السياسي الوحيد القوي والعقائدي داخل البلاد، لكن بعد الجلسات الكثيرة التي عقدها السيسي مع هذه القيادات الثلاث اكتشف حقيقة مريرة؛ هي سهولة السيطرة على التنظيم من خلال السيطرة والتأثير على هؤلاء الثلاثة، وأن إقناع هؤلاء بأي مخطط يعده المجلس العسكري معناه إقناع الإخوان جميعا. وهذه للأسف حقيقة لها أسباب كثيرة، منها التربية التنظيمية الفاسدة، والطاعة غير المبصرة، وعدم وجود شورى حقيقية داخل الجماعة، واختزال القيادة في أفراد، وغياب المحاسبة والشفافية، وأمور أخرى كثيرة وقف عليها بعض الإخوان الذين درسوا هذه المحنة الكبيرة ولم يقفوا على أكثرها.
تاسعا: استغل المجلس العسكري هذا الأمر ودرس شخصية الثلاثة بعمق، ووضع الذئب العجوز في المجلس العسكري، المشير حسين طنطاوي، خطة الإيقاع بالإخوان في الفخ من خلال فرش الطريق بالورود لهم ليتقدموا للترشح للانتخابات الرئاسية، على أن يضرب عصفورين بحجر واحد.. العصفور الأول هو خيرت الشاطر الذي تقدم فعلا للترشح، ومن خلاله تنفيذ خطة الخلاص من الإخوان، العدو اللدود والقديم للعسكر منذ العام 1952، والثاني هو اللواء عمر سليمان، العدو التاريخي اللدود للمشير طنطاوي. ونجحت الخطة عن طريق رفض الاثنين من لجنة الانتخابات، وإظهار الأمر أمام الشعب بأن الإخوان غير مقصودين في المسألة. والدليل، رفض عمر سليمان، رجل الدولة والنظام. لكن دفع عمر سليمان للترشيح ورفضه كان "خازوقا" كبيرا يعاقب به طنطاوي عمر سليمان الذي كان يستعلي عليه في عهد مبارك ويتعامل معه بدونية، وبالتالي لم يعد أمام الإخوان بعد رفض خيرت سوى ترشيح مرسي؛ الذي لا يملك أية مقومات قيادية أو سياسية أو رؤية أو استعداد للأمر، وكل المناصب التي تولاها داخل الإخوان كانت بالتصعيد الودي وليس بالانتخابات والكفاءة، شأنه شأن الكثيرين، كما أكد ذلك أداؤه من بعد.. وأصبح الخيار إما ترشيح مرسي أو القبول بمرشح العسكر، أحمد شفيق.
وقصة ترشيح مرسي طويلة ولدي تفصيلاتها من مصادرها، لكن لها وقتها. وبعد إجراء الانتخابات ومع تقارب الأصوات في الفرز، قرر الذئب العجوز إعلان فوز مرسي حتى يكمل خطة توريط الإخوان في الحكم، وإفشالهم وتصفيتهم، وهذا ما حدث بعد ذلك وشاهدته الدنيا كلها.
عاشرا: حديث السيسي في خطابه عن شبكات التواصل الاجتماعي ودورها في إدارة الأحداث من العام 2011 وحتى العام 2014؛ يعكس مخاوفه الشديدة من دورها الآن وتأثيرها على نظامه، لا سيما بعد عمليات الإعدام العشوائي وحادثة القطار والغضب الشعبي العارم من أدائه وأكاذيبه.
حادي عشر: أقسم السيسي عدة مرات في خطابه أنه لا يخشى من الخارج، وإنما من الداخل، والداخل يعني الشعب. فالإخوان إما في السجون أو المنافي، وبالتالي فإن الخطر الذي يخشاه السيسي الآن هو أن ينتفض الشعب ضده؛ لأنه يدرك أن الشعب يرفضه وسوف ينتفض عليه ويسحقه، وأن هذا الهاجس الذي كرره مرارا يؤرقه ويقض مضجعه.
ثاني عشر: حديث السيسي عن حادثة اقتحام أمن الدولة يؤكد الحقيقة الدامغة التي ذكرها وأنكرها؛ من أن الجيش أراد أن يضع جهاز أمن الدولة، الذي كان يتجسس حتى على ضباط الجيش والذي كان له النفوذ الأكبر والميزانيات والامتيازات الأكبر في عهد مبارك، تحت قدمه. وقد نقلت شاشات التلفزة صورة ضباط وجنود الشرطة العسكرية وهم يفتحون أبواب مقرات أمن الدولة أمام المتظاهرين، بل ويدعونهم للدخول لهذه المقرات. ومنذ ذلك الوقت وجهاز أمن الدولة يدار من قبل المخابرات العسكرية، إلى اليوم.. كل هذا يؤكد أن هذه الحقائق تؤرقه وليست شائعات، وإنما هي حقائق تحدث عنها حتى إعلامه آنذاك.
ثالث عشر: تكرار حديث السيسي عن الأمانة والصدق والشرف، وقسمه أنه صادق وأمين وشريف، يؤكد شعوره الداخلي بأنه عديم الصدق والأمانة والشرف، فهذه شيم لا يطلقها أحد على نفسه إلا إذا شعر أنها غير موجودة. وأداء السيسي خلال السنوات الماضية يؤكد تأصل هذه الشيم المشينة في شخصيته المريضة.
رابع عشر: حديث السيسي عن استخدام الشائعات مرارا يؤكد أنه مهووس بالحقائق التي تصل للشعب، وعجزه وعجز نظامه وإعلامه عن مواجهتها، وأن نجاح الشعب في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي يؤرقه ويثبت فشل نظامه الإعلامي في المواجهة، ولم يعد أمامه سوى أن يدعي أنها شائعات.
خامس عشر: سؤال السيسي للشعب وتكراره للسؤال عدة مرات: "يا تري يا مصريين هو انتم مصدقيني أم لا؟" يؤكد أن السيسي يدرك تماما أن الشعب لم يعد يصدقه ولا يثق فيه، ويعتبره كما قال هو: غشاشا وكاذبا ومخادعا ونصابا وقاتلا وخائنا للأمانة وغادرا وأضاع مصر والمصريين، وهو يكره الشعب ويقتله ويسجنه ويفقره ويمرضه. وكل المبررات التي قدمها بعد ذلك للتأكيد على أنه يعمل من أجل الشعب كانت مهزوزة ومليئة بالعجز وانعدام الثقة وعدم القدرة على الإقناع، بل زادت التأكيد على شعوره بأنه كاذب أمام نفسه وأمام الشعب.
سادس عشر: قسمه المتكرر بالله، وقوله: "أنتم لا تصدقوني إلا حينما أقسم"، دليل على أنه يعرف أنه يكذب، والشعب يعرف أنه يكذب. وكما يقول المثل المصري: "قالوا للحرامي احلف قال: جاء لك الفرج"، ومعناه أن القسم الباطل هو حبل النجاة للصوص.
سابع عشر: حديثه في الخطاب عن العاصمة الجديدة يؤكد شعوره وإدراكه بفشل المشروع الذي انسحبت منه الشركات الصينية والإماراتية، وأنه يدرك أنه عبارة عن مشروع وهمي أشبه ما يكون بمشروع السادات في مدينة السادات التي كان يحلم بنقل مقرات الوزرات إيلها، وبعدما قتل السادات أصبحت مدينة مهملة. وهذا ما سوف يؤول إليه مشروع السيسي، مثل كل مشروعاته الفاشلة، بعد أن يسحقه الشعب.
ثامن عشر: حديثه عن حل مشكلات 2060 وعمل صندوق لها من الآن؛ دليل على أن الرجل يشعر بالعجز والفشل مما هو قائم الآن، حيث أنه قبل أيام قليلة، في شرم الشيخ، اعترف بالعجز وطلب المساعدة، والآن يدعي أنه يفكر للشعب في مشروعات ستجري حتى بعد مماته.. خداع وخيانة وتدليس وأوهام وهروب للأمام، وأكبرها وهما المشروعات التي يدعي أنها تكلفت أربعة تريليونات جنيه، بينما كان يقول قبل ذلك: "نحن فقراء وفقراء أوي.. "نحن أشباه دول".. "نحن دولة فاشلة".. رجل يتوهم ويكذب، ويريد أن يصدق الناس أوهامه وأكاذيبه.
تاسع عشر: حديثه عن الدول المجاورة، وهو يقصد السوادان والجزائر وما يجري فيهما من حراك شعبي، يعكس رعبه مما يجري هناك، وخوفه من أن يكون هذا دافعا للشعب المصري حتى يقوم من جديد ويواصل ثورته ضد طغمة العسكر.
عشرون: حديث السيسي عن 200 مليونية وتظاهرة خرجت في مصر على مدى أربع سنوات (من 2011 وحتى 2014) يعكس رعبه من يقظة الشعب، وتخوفه من أن تعود التظاهرات مرة أخرى لتطيح به هذه المرة، ويؤكد أن عقله الباطن على يقين من أن تحت الرماد وميض نار يوشك أن يكون له ضرام يحرقه ويحرق نظامه.
واحد وعشرون: حديث السيسي عن تطعيم المصريين يؤكد شعوره الباطن بجريمة النظام تجاه صحة الشعب المصري، حيث أن ثلث المصريين مرضى بأمراض الكبد والكلى التي سببتها المبيدات المسرطنة، وتسمم المياه والخضروات والطعام وفتح البلاد للصهاينة يعبثون بصحة المصريين، وشركات الأدوية لتحولهم لحقل تجارب.
اثنين وعشرون: تنصل السيسي من كل وعوده للمصريين، حيث وعدهم بستة أشهر ثم سنتين، وعشرات الوعود الأخرى، وقوله: "هو أنا وعدتكم فأخلفتكم؟ هو أنا وعدتكم بالسمن والعسل؟"، وهذا دليل على أنه يعرف أنه كاذب ومخادع وعاجز وفاشل.
ثلاثة وعشرون: قول السيسي: "اللي يقول كدة يبقى عايز يزعلك، يبقى عايز ينغص عليك عيشتك"؛ تأكيد ودليل على أنه يعيش حياة منغصة مليئة بالغضب والحزن والكراهية للشعب.
خلاصة الخطاب الذي ألقاه السيسي في 10 آذار/ مارس 2019؛ أنه مرعوب ومهزوز ونظامه يرتجف، حتى لو أبدى تنمرا وتهديدا. فعقله الباطن مليء بالخوف من الشعب، والخوف من انتفاضته في أي لحظة. والجرائم التي ارتكبها أصبحت تطارده وتقض مضجعه، وحولت ليله ونهاره إلى كوابيس، وأصبح يعيش يومه وليلته بين الهواجس والمخاوف والترقب والذهول، وهذا ينعكس على كل نظامه الأمني والعسكري.
كما أكد السيسي في خطابه أن الشعب لم يعد يصدقه، ولم يعد على قناعة بأي كلمة يقولها، وأنه في مفهوم الشعب ليس سوى كاذب قاتل فاشل غشاش مخادع، وأن كل الجرائم التي ارتكبها بعد 25 كانون الثاني/ يناير تطارده في يقظته ومنامه، وأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جحيما بالنسبة له، وأن التظاهرات في السودان والجزائر تملأ نفسه بالخوف من شعب مصر الذي أصبح يخشى ثورته الجديدة التي ستكون هذه المرة ثورة حقيقية، تطيح بالنظام ورجاله وأعوانه، كما تفعل الثورات التي قامت في التاريخ، وليست مجرد انتفاضة يعيد النظام فيها إنتاج نفسه، وأنه يعيش في حزن ونكد، وأن الشعب ينغص عليه عيشته ويملأ نفسه بالحزن والنكد. لكن حتى تنجح هذه الثورة التي ستطيح بالسيسي ونظامه، عاجلا أم آجلا، لا بد لها من قيادة ومشروع ورؤية ومصر ولادة.. "ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبا".
وسوم: العدد 815