رئيس خارج من القبر بكفالة!
ليس هناك أدنى شك أن ترشيح المؤسسة العسكرية والمخابراتية الجزائرية للرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة لعهدة رئاسية خامسة لم يشكل صدمة رهيبة للشعب الجزائري فقط، بل كان بمثابة احتقار واستحمار واستخفاف غير مسبوق بالعرب جميعاً. كيف يخطط ذلك القوم؟ ألم يفكر جنرالات الجزائر أو من يسميهم الجزائريون «أبناء باريس في وطن بن باديس»، ألم يفكروا بردة الفعل الجزائرية والعربية على ترشيح شخص خارج من القبر بكفالة؟ من الذي يتآمر على الجزائر: الذين يسخرون من هذا الترشيح المعيب ويضحكون على أصحاب الفكرة، أم الذين يستفزون الجزائريين بكل أطيافهم بهذا الترشيح الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ؟
هل عقرت الجزائر يا ترى؟ يا إلهي! أليست الجزائر وتونس أيضاً أكثر بلدين عربيين فيهما نسبة شباب؟ فلماذا يريدون تعيين رؤساء عليهم يكبرون الفنانة صباح بعشرين سنة؟ أليس في ذلك أكبر احتقار لهذه الملايين المفعمة بالحيوية والعنفوان؟ لا شك أن بوتفليقة قد لا يدري أنه مرشح للرئاسة حسب التقارير الطبية التي تصلنا من المشافي السويسرية، وبالتالي فهو مجرد واجهة لجنرالات القمح والأرز والنفط الذين يسيطرون على كل ثروات الجزائر. لكن السؤال: ألم يجد هؤلاء الجنرالات واجهة أخرى تمكنهم من الاستمرار في السيطرة على مقدرات البلاد السياسية والاقتصادية؟ ألم يجدوا مرشحاً قادراً أن يذهب إلى الحمام بنفسه دون مساعدة؟
إن أكثر من أساء لهذا الرئيس المومياء ولتاريخه الطويل في العمل السياسي هم الجنرالات الذين رشحوه للرئاسة؟ ما هذه الإساءة الخطيرة للجزائر وشعبها؟ ادخل الى مواقع التواصل أو إلى محركات البحث فستجد أن العالم كله أصبح يعرف الجزائر بالزومبي المرشح لرئاسة الجمهورية للمرة الخامسة. لم يعد أحد يتذكر بلد المليون شهيد، بل يتذكر مهزلة الرئيس الذي يحكم الجزائر من خلال صورته فقط. هل تقبلون أيها الجنرالات أن تشوهوا تاريخ الجزائر بهذا التهور الفظيع؟
بعض السخفاء يقول إن بوتفليقة جدير بالبقاء في الحكم نظراً للخدمات الجليلة التي قدمها للجزائر. ما هذا الهراء؟ كيف تريدون أن يحكمكم شخص لا يستطيع حكم وظائفه الفيزيولوجية؟ هل هو مدرك أصلاً أنه مرشح للرئاسة؟ هل تذكرون ماذا فعل الشعب البريطاني بالقائد العظيم وينستون تشيرتشل بعد انتصاره في الحرب العالمية الثانية؟ ترشح الرجل للرئاسة على اعتبار أنه أنتصر على النازية، لكن البريطانيين لم ينتخبوه، بل انتخبوا شخصاً آخر على اعتبار أن تشيرتشل كان يصلح لمرحلة الحرب، لكنه لن يكون صالحاً لمرحلة السلم. لم يخرج تشيرتشل وجماعته ليقولوا للبريطانيين: أنتم ناكرون للجميل، بل قبلوا بقرار الشعب وانسحبوا. وبالمناسبة كان تشيرتشل وقتها في كامل صحته، وليس كالرئيس بو تلزيقة الذي يسخر منه كثيرون ويطالبون شركة بامبرز للحفاظات بأن ترعى حملته الانتخابية. إن إكرام بوتفليقة وضعه في مصحة كي يقضي أيامه الأخيرة بكرامة وليس أن يكون موضع سخرية وتهكم في وسائل الإعلام العربية والعالمية أيها الأنذال. احترموا سن الرجل ومرضه وحالته الصحية وابعدوه عن الأنظار. وستجدون ألف شخص آخر تتاجرون به وتستخدمونه واجهة للحفاظ على مصالحكم. ارحموا عزيز قوم ذل!
لا شك أن بوتفليقة قد لا يدري أنه مرشح للرئاسة حسب التقارير الطبية التي تصلنا من المشافي السويسرية، وبالتالي فهو مجرد واجهة لجنرالات القمح والأرز والنفط الذين يسيطرون على كل ثروات الجزائر.
هل يعلم الذين يريدون ترشيح بوتفليقة أن منصب الرئاسة يقضي على صاحبه خلال فترة وجيزة حتى لو كان في الأربعينيات من العمر؟ لقد وضع محمد حسنين هيكل يده على الجرح عندما قال في أحد تعليقاته ما معناه إن الحد الأقصى الذي يمكن لأي زعيم في هذا العالم أن يمضيه في الحكم يجب أن لا يتجاوز العشر سنوات لأن للبشر قدرة محدودة على التحمل فيزيولوجياً. فبعد هذه الفترة يكون القائد قد استنزف جسدياً وعقلياً من الناحية الصحية ولن يعود قادراً على الانتاج السياسي.
هل ننسى أن أحد القادة العرب كان يوقع بعض القرارات والمراسيم وهو على فراش المرض. وقد روى بعض وزرائه أن زعيمهم كان يبلل ثيابه معظم الوقت بعد أن فقد القدرة على التحكم بوظائفه الفيزيولوجية بحكم المرض والتقدم الشديد في العمر. لكنه مع ذلك أبى إلا أن يسّير الدولة ويحكم إلى آخر قطرة من…..
لقد أدرك العالم الديمقراطي والمتقدم تلك الحقائق الفيزيولوجية البسيطة منذ زمن بعيد وراح يؤكد لا بل يصر على تداول السلطة وتجديد دمائها كل أربع سنوات أو على الأكثر كل خمس سنوات، فإدارة الدول ليست هواية أو تسلية أو ضربة حظ أو ودع، بل مهمة في غاية الخطورة والمسؤولية. ونظراً لذلك فهي يجب أن تكون محكومة بقوانين وأقانيم علمية وزمنية محددة.
متى تدرك دولنا أن أي زعيم لديه قدرة محدودة على انتاج الأفكار والإبداع السياسي، فبعد خمسة أو عشرة أعوام يكون قد بدأ يكرر نفسه إن لم يكن قد دخل مرحلة الخرف السياسي وبالتالي لا بد أن يفسح المجال لدم جديد كي يعيد الحياة إلى الدورة الدموية للبلد والدولة. لكنه لا يفعل، مما يجعل كل عجلات الحياة في البلاد تتوقف عن العمل عند حد معين. هل من العجب إذن أن كل أمم الأرض تتطور بينما نحن نقبع في مؤخرة القافلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً؟
ويسألونك بعد كل ذلك لماذا نحن متخلفون؟ آه لو قام بعض زعمائنا بتقليد ذكر النحل الذي يتوارى عن الأنظار (يموت) فوراً بعد الانتهاء من وظيفته المتمثلة بتلقيح النحلة ليفسح المجال لمملكة النحل كي تنتج العسل. ليتهم يقلدون نوعاً آخر من النحل الذي يتلاشى مباشرة بعد أن يلسع. أما معظم حكامنا فهم لا ينتهون من لسعنا حتى يحضرّوا أنفسهم كي يعيدوا الكرة مرات ومرات، هذا إذا لم يقوموا بتقليد القطط، فالقط، بحجة أنه يريد حماية صغاره من الحيوانات المفترسة الأخرى، يقوم بالتهام أبنائه!! أوليس الجثوم فوق صدور العباد كالجبال الراسيات لعشرات السنين التهاماً من نوع آخر؟
أخيراً: من الذي يتآمر على الجزائر؟ الذين يريدون لها رئيساً قادراً على قيادتها والنهوض بها، أم الذين يريدون لها رئيساً ميتاً؟ من الذين يتآمرون على الجزائر؟ الذين ينتقدون ألاعيب العسكر وخزعبلاتهم أم الذين يستفزون الشعب الجزائري ويدفعونه إلى الشوارع دفعاً ثم يهددونه بالفزاعة السورية؟ اسحبوا ترشيح بو تلزيقة واعلموا أنكم بالإصرار على ترشيحه تدفعون الجزائر إلى حافة الهاوية. من الواضح كما قال أحدهم: إن الجزائر هو البلد الوحيد الذي يبحث فيه النظام عن الفوضى، والشعب يبحث عن السلم والاستقرار!»
وسوم: العدد 815