المسئول الحقيقي عن مذبحة مسجد النور بــ"نيوزيلندا"
لا زال الكثير مِنَّا يتساءل عن دلالات المذبحة التي وقعت بمسجد النور بــ"نيوزيلندا"، يوم الجمعة الموافق 15/ 3/ 2019م، وقد تساءلوا مِن قبل عن فحوى المجازر التي يتعرض لها المسلمون في المشارق والمغارب؟!
لا زالوا يتساءلون، وهم يعلمون أنَّ تلك الواقعة الأليمة لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقتها سلسلة طويلة من المآسي الدامية، ولن تكون الأخيرة!
نعم، لن تكون الأخيرة؛ وسيظلُّ المسلمون يدفعون أثماناً باهظة، داخل أوطانهم وخارجها، ما دام الحال كما هو، أيْ: ما دمنا نحن كما نحن عليه، وما دام "الآخَر" كما هو عليه.
ولا عجب أن يدفع المسلمون تلك الأثمان الباهظة، ولا عجب أن يُتَّهمون بأبشع الاتهامات، وأن يُجار عليهم بالليل والنهار، ويطاردون في كل مكان، ويعيشون في المنافي والملاجئ، ثمَّ تتصدَّق عليهم المنظمات العالمية بفضلات الطعام والدواء!
هكذا صار حال خير أُمةٍ أُخرِجت للناس؛ المنوط بها إخراج الدنيا من ظلمات الجهل إلى نور الهداية، ومن جوْر الحكَّام إلى عدالة الإسلام!
لا خير فينا إذا كنَّا بعد كل مصيبة تحلّ بنا؛ ننهال بأقلامنا، وأن نصرخ بملء حناجرنا، قائلين: الغرب يعادينا، والصهيونية تتربص بنا، والمنظمات العلمية لا تُنصفنا.
لا خير فينا ما دمنا ننتظر العونَ والإنصاف من خصومنا الحضاريين!
متى كان الغربُ حليماً بالمستضعفين؟ ومتى كان الذئب رفيقاً بالخراف الشاردة؟
إنَّه لابدَّ من معرفة مكمن الداء، وأصل البلاء؛ قبل مناقشة تلك المصيبة المتكررة!
تعالوا بنا نتصفَّح جانباً من "الكُتُب المقدَّسة" التي تربى عليها الغربيون؛ حتى تتبيَّن لنا حقيقة هؤلاء القوم، وتتكشَّف لنا نواياهم، ولنعلم أنَّ ما يمارسونه من فظائع –سواء في فلسطين وأفغانستان، وغير ذلك من البدان التي تقع تحت قبضتهم- إنما هي عقيدة أُشرِبوها في قلوبهم، وآمنوا بها، ويتعبَّدون بها، ويصعب اقتلاعها من عقولهم .. ولوْ بعد حين!
انظروا إلى وصايا (الكتاب المقدس) وتعاليمه: فقد جاء في الإصحاح الخامس من "سِفْر المزامير": (إذا أدخلكَ ربكَ في أرض تملكها، وقد أباد أمماً كثيرة من قبلك، فقاتلهم حتى تفنيهم عن آخرهم، ولا تعطهم عهداً، ولا تأخذنك عليهم شفقة أبداً)!
بلْ انظر إلى ما جاء في (سِفْر الخروج 32 : 27): "قالَ الرّبُّ إلهُ إِسرائيلَ: على كُلِّ واحدٍ مِنكُم أنْ يحمِلَ سيفَه ويَطوفَ المَحلَّةِ مِنْ بابٍ إلى بابٍ ويَقتُلَ أخاهُ وصديقَه وجارَهُ".
بلْ إنَّ (الكتاب المقدّس) يسترسل في وصف كيف استمر "يشوع" في حروب الإبادة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً حتى قتل جميع سكان فلسطين الأصليين وأباد ما يقرب من ربع مليون منهم، واستولى على الأرض كلها بعدما غطتها الدماء ... إلخ. (يشوع 10- 12:23).
ويقول(الكتاب المقدّس): (ومَلعونٌ مَنْ يَمنَعُ سَيفَهُ عَنِ الدَّمِ). (إرميا 48: 10). وهذا النص يجعل من المؤمن بالكتاب المقدس ملعوناً ومطروداً من رحمة الله، إذا لم يقتل ويسفك الدماء البريئة!
بلْ هناك أمر صريح بالقتل، وحمل السيف: (قالَ الرّبُّ إلهُ إِسرائيلَ: على كُلِّ واحدٍ مِنكُم أنْ يحمِلَ سيفَه ويَطوفَ المَحلَّةِ مِنْ بابٍ إلى بابٍ ويَقتُلَ أخاهُ وصديقَه وجارَهُ) (خروج 32: 27).
ويكرِّر هذه الوصية!: (فقالَ الرّبُّ لموسى: خذْ معَكَ جميعَ رُؤساءِ الشَّعبِ واَصلُبْهُم في الشَّمسِ أمامَ الرّبِّ، فتَنصَرِفَ شِدَّةُ غضَبِ الرّبِّ عَن بَني إِسرائيلَ فقالَ موسى لقُضاةِ بَني إِسرائيلَ: ليَقتُلْ كُلُّ واحِدٍ مِنكُم أيُا مِنْ قومِهِ تعَلَّقَ ببَعْلِ فَغورَ) (سِفْر العدد 25: 4-5).
ويبلغ الأمر مداه، فيأمر بقتل الشيوخ والأطفال والنساء، وإِعمال السيف فيهم بلا هوادة حتى الفناء: (قد فَزِعتُم مِنَ السَّيفِ فأنا أجلُبُ علَيكُمُ السَّيفَ، يقولُ السَّيِّدُ الرّبُّ) (حزقيال 11:8).
ويُكرِّر وصية القتل بالسيف مرة تلو الأخرى، فيقول: (وجميعُ الذينَ حَولَهُ مِنَ الأعوانِ والجنودِ أُذرِّيهِم لكُلِّ ريحِ وأستَلُّ السَّيفَ وأُطاردُهُم) (حزقيال 12 : 14).
ولا يقف الأمر عند حد القتل بالسيف؛ بلْ الحرق بالنار حتى الهلاك: (فَضَرْباً تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلكَ المَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ وَتُحَرِّمُهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مَعَ بَهَائِمِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. تَجْمَعُ كُل أَمْتِعَتِهَا إِلى وَسَطِ سَاحَتِهَا وَتُحْرِقُ بِالنَّارِ المَدِينَةَ وَكُل أَمْتِعَتِهَا كَامِلةً لِلرَّبِّ إِلهِكَ فَتَكُونُ تَلاًّ إِلى الأَبَدِ لا تُبْنَى بَعْدُ) (تثنية 13: 15- 17).
ليس هذا فحسب، بلْ هناك أمر بالصلب: (فإذا اَستَسلَمَت وفتَحَت لكُم أبوابَها، فجميعُ سُكَّانِها يكونونَ لكُم تَحتَ الجزيةِ ويخدِمونكُم. وإنْ لم تُسالِمْكُم، بلْ حارَبَتكُم فحاصَرتُموها فأسلَمَها الرّبُّ إلهُكُم إلى أيديكُم، فاَضْرِبوا كُلَ ذكَرٍ فيها بِحَدِّ السَّيفِ. وأمَّا النِّساءُ والأطفالُ والبَهائِمُ وجميعُ ما في المدينةِ مِنْ غَنيمةٍ، فاَغْنَموها لأنْفُسِكُم وتمَتَّعوا بِغَنيمةِ أعدائِكُمُ التي أعطاكُمُ الرّبُّ إلهُكُم. هكذا تفعَلونَ بجميعِ المُدُنِ البعيدةِ مِنكُم جدُا، التي لا تخصُّ هؤلاءِ الأُمَمَ هُنا. وأمَّا مُدُنُ هؤلاءِ الأُمَمِ التي يُعطيها لكُمُ الرّبُّ إلهُكُم مُلْكًا، فلا تُبقوا أحداً مِنها حيُاً بلْ تُحَلِّلونَ إبادَتَهُم، وهُمُ الحِيثِّيّونَ والأموريُّونَ والكنعانِيُّونَ والفِرِّزيُّونَ والحوِّيُّونَ واليَبوسيُّونَ، كما أمركُمُ الرّبُّ إلهُكُم) (تثنية 20: 11- 17).
وهناك أمْر بقطع أعناق الناس، وأمر باستحلال النساء والأطفال والبهائم، وأمر بالإبادة الجماعية: (وكلَّمَ الآخرينَ فسمِعتُهُ يقولُ: اذهبوا في المدينةِ وراءَهُ واَضربوا. لا تُشفِقوا ولا تَعفوا. اقتلوا الشُّيوخ والشُّبَّانَ والشَّاباتِ والأطفالَ والنِّساءَ حتى الفناءِ) (حزقيال 9 : 5-6).
ويبلغ (الكتاب المقدس) في العنف مداه، فيأمر بخطف النساء واغتصابهن: (فَأَوْصَوْا بَنِي بَنْيَامِينَ قَائِلِينَ: انْطَلِقُوا إِلَى الْكُرُومِ وَاكْمِنُوا فِيهَا. وَانْتَظِرُوا حَتَّى إِذَا خَرَجَتْ بَنَاتُ شِيلُوهَ لِلرَّقْصِ فَانْدَفِعُوا أَنْتُمْ نَحوَهُنَّ، وَاخْطِفُوا لأَنْفُسِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَةً وَاهْرُبُوا بِهِنَّ إِلَى أَرْضِ بَنْيَامِينَ) (سِفْر القضاة 21: 20).
حتى الرُّضَّع لمْ يسلموا من جبروت (الكتاب المقدس) والبقر والغنم أيضاً: (فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَهم وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً, طِفْلاً وَرَضِيعاً, بَقَراً وَغَنَماً, جَمَلاً وَحِمَاراً) (صموئيل الأول).
حتى (الإنجيل) لم يكن بمنأى عن ذلك؛ فنراه يقول (أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي) (لوقا9 :27).
من حقنا أن نتساءل:
لماذا يدعو(الكتاب المقدس) إلى القتل والذبح وإزهاق الأرواح وسفك الدماء؟!
كيف يدعو(الكتاب المقدس) إلى قتل الأطفال الرضَّع، والماشية كالبقر والغنم؟!
أيّ إلهٍ هذا الذي أوحى بهذا الكلام؟! وأيّ ربٍّ يأمر بتلك الإبادة الجماعية وإعمال القتل والخطف والاغتصاب؟!
نرجو من الأحبار والرهبان أنْ يشرحوا لنا فحوى هذه النصوص الدموية .. مَن الذي كتبها؟ ونرجو –أيضاً- من المنظمات الحقوقية العالمية أن تُبيِّن لنا موقفها من تلك النصوص التي تُدرَّس وتُشرح في الأديرة والكنائس؟!
وهل مَن كانت هذه عقيدتهم؛ يمكن أن يؤتمَنوا على حماية المقدَّسات والتراث الديني في فلسطين وغيرها؟
وما هو مستقبل البشرية في ظل وجود هذه النصوص الدموية، واعتبارها "مُقدَّسة"، وواجبة النفاذ –كما أعلن كثير من حاخامات اليهود- بلْ اعتبروا عدم نفاذها والعمل بها؛ تعطيل لشريعة الربّ، وخيانة لتعاليم السماء –كما قال الحاخام الأكبر "يوسف شاحال" في حديثه لصحيفة معاريف!
الحـق أقـول: إننا في حاجة إلى وقفة حقيقية أمام هذه "النصوص الدموية"، وأمام تلك "التصريحات الدموية" التي أدلى بها رجال الدِّين ... لأنها صارت ترجمة عملية على الأرض، وصارت واقعاً يمارسه كثير من الساسة الغربيين منذ الحروب الصليبية، وقد طبَّق تلك "الوصايا الدموية" كثير من رؤساء الولايات المتحدة في العصر الحديث، أمثال: أيزنهاور، وريجان، وآل بوش، وترامب، وغيرهم.
إننا في حاجة إلى معرفة هل في الإمكان وقف تنفيذ هذه "الوصايا الدموية" أمْ لا؟ وما هو العمل إذا لم يمكن وقفها وتجميد العمل بها؟ وما هو مستقبل البشرية في ظل وجود هذه "النصوص الدموية"؟
فإنه ما لمْ تُقتلَع هذه "النصوص الدموية"؛ فلنْ تتوقف شلالات الدماء على ظهر الأرض!
ما لمْ تُقتلَع هذه "النصوص الدموية"؛ فلنْ يرى الناس أمناً، ولنْ تشهد الدنيا سلاماً.
ما لمْ تُقتلَع هذه "النصوص الدموية"؛ سيظلُّ العالَم كله في خطرٍ دائم، ورعب متواصل!
إنَّ السبب الجوهري وراء سفك الدماء، واستمرار الهجمات الغربية على بلادنا ومقدّساتنا؛ هو وجود هذه "النصوص المقدَّسة" ومحاولة تطبيقها عمليا.
حتى إنَّ الشاب الإسرائيلي الذي قتل "رابين" –رئيس وزراء إسرائيل الأسبق- عندما سأله القاضي عن الدافع وراء عملية الاغتيال؟ قال: "إنه يجري معاهدة سلام مع العرب، ويخون وصية الكتاب المقدَّس"!
نعم؛ إنَّ وجود هذه "النصوص الدموية" هي التي دفت هذا الشاب الاسرائيلي لتنفيذ مخططه، و"النصوص الدموية" هي السبب الرئيس التي جعلت الغربيين في حالة عداء دائم مع غيرهم من الشعوب والأمم، ومبرِّراً لاحتلال البلدان، وهدم الأوطان، وإذلال الشعوب، ونهب ثرواتها، كما نراه ماثلاً أمامنا، لا سيما في العقود الأخيرة ... وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون!
وسوم: العدد 816