خصومات مخصصات الشهداء والأسرى ليست قضية مالية
للشّهر الثّاني على التّوالي تقوم حكومة الاحتلال الإسرائيلي بخصم ما يقارب أحد عشر مليون ونصف المليون دولار من الضّرائب الفلسطينيّة، بحجّة أنّ السّلطة الفلسطينيّة تدفعها كمخصّصات شهريّة لأسر الشّهداء والأسرى، ومعروف أنّ السّلطة لفلسطينيّة مسؤولة عن توفير الأمن الاقتصاديّ لشعبها مثلها مثل باقي دول العالم. ومعروف أنّ اسرائيل ومن خلال مؤسّسة التّأمين الوطني والضّمان الاجتماعيّ تقدّم مخصّصات شهرية لأسر مواطنيها السّجناء، بمن فيهم قتلة ومجرمون وتجّار مخدّرات ولصوص وغيرهم، كما أنّها تفعل الشّيء ذاته مع مواطنيها العرب الذين قاوموا سياساتها الإحتلاليّة. وتوفير أيّ دولة الأمن الاقتصاديّ لأسر السّجناء من أبنائها قضيّة أخلاقيّة قبل أيّ اعتبار سياسيّ، وبالتّأكيد فإنّ أصحاب القرار في دولة الاحتلال الإسرائيليّ يعرفون هذا جيّدا.
لكنّ القرصنة الإسرائيليّة لأموال الضّرائب الفلسطينيّة له أبعاد سياسيّة أخرى، فالأسرى الفلسطينيّون في سجون الاحتلال هم أسرى حرب، ومقاومتهم للإحتلال يكفلها القانون الدّوليّ، لكنّ اسرائيل وحليفتها أمريكا خارجتان على القانون الدّوليّ، وعلى قرارات الأمم المتّحدة، وعلى اتّفاقات جنيف الرّابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكريّ، وإسرائيل وبدعم أمريكيّ لا محدود لا ترى نفسها دولة محتلّة، بل تعتبر نفسها قد حرّرت أراضيها التي كان العرب يحتلّونها! ومن هذا المنطلق جاء اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالسّيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السّوريّة المحتلّة!
والقرار الإسرائيليّ بخصم مخصّصات الشّهداء والأسرى الفلسطينيّين الماليّة يأتي من باب شرعنة الاحتلال للأراضي العربيّة المحتلّة في حرب حزيران 1967، وأنّ من يقاوم هذا الاحتلال خارج عن القانون؛ لأنّه يعتدي على سيادة دولة. وقد أحسنت السّلطة الفلسطينيّة صنعا برفضها لقرار القرصنة الإسرائيليّة، ولو فعلت ذلك –وهذا ما لا يمكن تصوّره- لكان اعترافا بسيادة إسرائيل على الأراضي المحتلّة! ولن يكون ذلك اليوم الذي ستضمّ إسرائيل بقيّة أجزاء الضّفّة الغربيّة لها، أو قد تسبقها أمريكا بشرعنة الإحتلال من خلال الاعتراف بالسّيادة الإسرائيليّة على هذه الأراضي، وهذا يأتي ضمن المشروع الأمريكيّ "الشّرق الأوسط الجديد" لإعادة تقسيم المنطقة العربيّة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لحساب المشروع الصّهيونيّ التّوسعيّ، والذي تتخطّى أطماعه حدود فلسطين التّاريخيّة وهضبة الجلوان السوريّة، ومزارع شبعا اللبنانيّة. وقد يتطلّب هذا افتعال حرب اقليميّة؛ لتستغلّها إسرائيل لقتل وتشريد الفلسطينيّين الرّابضين على تراب وطنهم. ويشجّع اسرائيل وأمريكا على اتّخاذ هكذا خطوات ردود الفعل العربيّة الرّسميّة الخجولة، وسبات الشّعوب العربيّة الذي طال أمده.
وسوم: العدد 818