ازدواجية المكيال بين حريق الكتدرائية الفرنسية وتدمير مسجد بني أمية في سوريا
صدم الشعب الفرنسي بحريق كتدرائيته الشهيرة ، وذهل لذلك العالم أجمع نظرا للقيمة التاريخية لهذا المعلم الحضاري الذي يحج لزيارته ملايين السياح سنويا . ومعلوم أن المآثر على اختلاف ما ترمز إليه تكتسي أهمية تاريخية كبرى مع مرور الزمن ، و تحظى باهتمام البشرية قاطبة لأنها ترمز إلى فترة من فترات عمرها .
ولا أحد في العالم يقبل أن تتعرض المآثر التاريخية مهما كانت رمزيتها للضياع سواء كان ذلك بفعل فاعل أو بسبب كارثة من الكوارث الطبيعية . ومعلوم أن أكبر خطر يتهدد هذه المآثر هو الحرائق أو الدمار . ومعلوم أيضا أن الحرائق يكون دائما مسببها الإنسان سواء كان ذلك عن طريق الخطأ أو عن طرق العمد ، وتكون النتيجة واحدة في الحالتين حيث تلتهم النيران ما حفظ لمدد تاريخية طويلة.
وأمام ردود الفعل العالمية بخصوص الكارثة التي حلت بالكتدرائية الفرنسية استحضرت كارثة مسجد بني أمية بدمشق، والذي تعرض للدمار وعمره يفوق عمر الكتدرائية ، ولكن لم يسجل أي رد فعل على تدميره لدى الرأي العام العالمي كما حصل مع حريق الكتدرائية . ومعلوم أن هذا المسجد قد بني في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك سنة705 م وقد جلب لبنائه الصناع المهرة من بلاد فارس والهند واليونان ، وهو من التحف التاريخية النادرة والمشهور بسقفه البديع وجدرانه الفسيفسائية ومآذنه الشامخة ، وهو رابع المساجد الإسلامية بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ، وبجواره يوجد قبر يوحنا المعمدان ، وبه دفن رفات القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ، وفي فتحته وضع رأس الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنهما .
وفي زمن الحقد الطائفي الذي أحرقت ناره أرض العراق وبلاد الشام بعد الغزو الأطلسي وهو غزو أعاد إلى الذاكرة غزو التتار والمغول حدثت كارثة قصف وتدمير المسجد الأموي لتشهد على الحقد الطائفي الرافضي الذي لا زالت عقول متحجرة متمسكة به ، وتتحين الفرص لإفراغه عن طريق العنف الأعمى الصادر عن عمى بصائرها ، وفساد معتقدها ، وهي تتاجر بخلاف كان بين الرعيل الأول من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين بخصوص الخلافة لتجعل مما هو سياسي صرف عقيدة حقد وكراهية عبر التاريخ لا زالت برر بها ارتكاب المجازر الوحشية ، والدمار والخراب .
ولقد كان سبب استحقاق تلك المعلمة التاريخية الكبرى الدمار بالنسبة للرافضة الحاقدين على كل ما يمت بصلة للسنة هو أن رأس الإمام الشهيد الحسين رضي الله عنه وسبط النبي صلى الله عليه وسلم وضع في فتحته حين حمل إلى دمشق ، كما أن رفات صلاح الدين يوجد بجواره ، وحكاية هذا الأخير مع الرافضة مشهورة . ولو كان الرافضة حقا يقدرون الحسين بن علي رضى الله عنه كما يدعون حين ينتحبون ويلطمون ويندبون قتله لما أقدموا على تدمير مكان حل به رأسه الشريف ولاتخذوه مزارا من مزاراتهم، ولكن حقدهم على صلاح الدين محرر بيت المقدس من الصليبيين أعمى أبصارهم وبصائرهم، فأقدموا على تدمير بيت الله، علما بأن المساجد لله لا لغيره وإن نسبت للبشر وسميت بأسمائهم.
لقد مرت حادثة تدمير المسجد الأموي دون رد فعل يحاكي رد الفعل على حادثة حريق الكتدرائية الفرنسية لأنه مرتبط بالدين الإسلامي ، ولقد سرت بدماره الرافضة السبئية بسبب جذوها اليهودية ،كما سرت به الصليبية الحاقدة ، ولو كانت كما تدعي الانتساب إلى المسيحية لما سرت، ولما سكتت عن دماره وبجواره قبر يوحنا المعمدان . وكما أنسى الحقد الرافضي قدسية المسجد الأموي وقد حل بفتحته رأس الشهيد الحسين الطاهر ، أنسى الحقد الصليبيين قدسيته وبجواره مرقد يوحنا المعمدان .
فما أتعس عالم اليوم الذي يكال فيه بمكيالين، أسف على حريق الكتدرائية في فرنسا وحق أن يؤسف لما حل بها، وهي أثر إنساني كبير مقابل تجاهل لدمار المسجد الأموي في سوريا بل والشماتة به ،وهو أثر إنساني عظيم أيضا، وعمره يزيد عن ثلاثة عشر قرنا وهو عم يفوق عمر الكاتدرائية بخمسة قرون .
وسوم: العدد 820