خطاب إيراني، ظاهره تصعيدي، وباطنه استجداء الحوار مع واشنطن
خرج علينا المرشد الإيراني "علي خامنئي"، قائلاً: "يمكن لإيران تصدير النفط بالكمية التي تريدها. وجاء حديث "خامنئي" هذا في لقائه بعدد من العمال بمناسبة أسبوع العامل في إيران، وأضاف: إن ما يقوم به العدو من إجراءات ضدّ إيران لن يمرّ دون ردّ وسيأخذ جزاءه، ويضيف خامنئي: إنما يقوم به العدو من مساعي في مجال النفط لن يفضي إلى نتيجة، ويمكننا تصدير النفط وفقا لما تقتضيه احتياجاتنا ومستلزماتنا، فهم يتخيلون أنهم بما يقومون به قد قطعوا الطريق علينا، فإذا اجتمع الشعب النشيط والمسؤولون اليقظون، ووظفوا جهودهم للخروج من هذا المأزق فيمكنهم فتح الكثير من الطرق المغلقة، وما هذه إلا واحدة من الطرق التي نحاول فتحها، لذا فإن ما يسعى إليه العدو لن يفضي إلى نتيجة، هذا أولا..
وثانياً: يقوم العدو بممارسة العداء! فعليه أن يعلم بأن هذه العداوة لن تمرّ دون ردّ مناسب وحاسم، والشعب الإيراني ليس بالشعب الذي يقف موقف المتفرج وهو يشاهد كل هذه المؤامرات والدسائس التي تحاك ضدّ بلده.
بموازاة ذلك شرع المسؤولون الايرانيون بمرحلة جديدة من الحديث ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية، فإلى جانب حديث المرشد الإيراني "علي خامنئي" قال "حسن روحاني": إننا جاهزون للوقوف أمام الضغوطات الأمريكية التي تمارس ضد إيران، وفي نيويورك يسعى وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" على قدم وساق إلى الإدلاء بتصريحات مهادنه هدفها الإبقاء على باب الحوار مفتوحا أمام الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن وصلت إيران إلى طريق مسدود بعيد التهديدات التي أطلقها مسؤولون هناك. والقاضية بإغلاق مضيق هرمز مما أدى إلى فتح باب التهديدات العسكرية بين الطرفين، حيث تحولت التصريحات الإيرانية فيما يتعلق بمضيق هرمز هذه الأيام إلى فرصه مثالية لإبراز العضلات واختبار القوى بين الجانبين الأمريكي، والإيراني، فهذا الممر المائي الذي يربط بين إيران والإمارات، وعمان، والذي يمرّ منه أكثر من ثلث الإنتاج النفطي المشحون بواسطة ناقلات النفط ويعادل هذا الرقم 20% من الإنتاج العالمي للنفط.
وبعد ما جرى على لسان مسؤولين في الحكومة الإيرانية من أحاديث تنادي بإغلاق مضيق هرمز، سيما ما صرح به رموز التيار المتشدد في إيران. وسبقه تصريحات "علي رضا تنكسيري"، قائد قوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني قبل أيام معدودة، والتي قال فيها: "إذا ما مُنعت إيران من تصدير النفط من خلال مضيق هرمز؛ فإن الحرس الثوري الإيراني سيقوم بإغلاق المضيق، وقد أصبح هذا الحديث الذي يجري على لسان المسؤولين الإيرانيين أمر بدهي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
من جانبه يبرز التناقض في حديث وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" الذي يزور نيويورك الآن حيث يشارك في قمة الأمم الآسيوية؛ وفي الوقت الذي يتحدث فيه عن أهمية الحوار المباشر مع واشنطن، يشير إلى أنه يجب على المؤسسة العسكرية الإيرانية اتخاذ قرار فيما يتعلق بإغلاق مضيق هرمز، كما أكّد على أن المصلحة الإيرانية لا تتأتى إلا من خلال أمن واستقرار المنطقة.
ويبرز التناقض في تصريحات "ظريف" من خلال قوله: بأن إيران ستواصل بيعها للنفط بالرغم من عدم تمديد الإعفاءات الممنوحة لإيران، ولتحقيق هذه الغاية فإن إيران ستبقي على مضيق هرمز مفتوحا أمام حركة الملاحة. ونحن سنستمر في بيع نفطنا، وسنجد عملاء لشراء نفطنا وسنبقي على مضيق هرمز مفتوحًا لبيع نفطنا. هذه هي نوايانا، ونحن نعتقد أن هناك شيئا سيحدث، لكن إذا قامت الولايات المتحدة بعمل جنوني ولم تدعنا نفعل ذلك، فعليها أن تتوقع العواقب. لقد قامت الولايات المتحدة في السابق باتخاذ مغامرات لا تنم عن حكمة. وأنا لا أريد أن أختلق النظريات، ولكنني أقول: إن مصالحنا المصيرية تستدعي أن نبقي على مضيق هرمز مفتوحا وأن نحافظ على أمنه، ويجب على الولايات المتحدة أن تعلم أنها عندما تدخل إلى الخليج، فعليها أن تتحدث مع الناس المعنيين بأمن الخليج، وهم أفراد الحرس الثوري الإسلامي.
تأتي هذه التصريحات على لسان وزير الخارجية الإيراني فيما قال مدير التحرير في صحيفة "كيهان" السيد "شريعتمداري": إن إيران -وفقا لبنود معاهدتي (جنيف، وجامايكا)، ووفقا لما اقتضاه القانون الدولي من قوانين وإجراءات احترازية- يمكنها منع السفن الأمريكية، والسفن السعودية، والبحرينية، والإماراتية التي ترافق السفن الأمريكية خلال العبور من مضيق هرمز. وبالرغم من هذه الإستراتيجيات تضيف في حال وقعت اشتباكات عسكرية في مياه الخليج بين الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، فإن هذه الاشتباكات ستكون مدمرة للغاية، وسيكون المشهد مشابهاً لما وقع قبل عامين من اشتباكات بين ناقلة أمريكية وقارب مراقبة إيراني يعود للحرس الثوري الإيراني.
بموازاة ذلك قال "حسين سلامي"، القائد الجديد للحرس الثوري الإيراني: إنه يجب التوسع في قوة النفوذ الإيراني، ليس في المنطقة فقط، بل لكافة أرجاء العالم.
جاء ذلك في أثناء مراسم تنصيبه كقائد جديد للحرس الثوري الإيراني حيث أكّد الجنرال "سلامي" أنه لا يجب أن ينعم العدو بالأمن في كافة أنحاء العالم، في إشارة منه إلى قوات الحرس الثوري الإيراني إذ قال: إن هذه القوات عملت على كبح جماح الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن ما مدى جدية التهديدات الإيرانية؟
وهل من مصلحة إيران الانتقال إلى مرحلة المواجهة مع واشنطن؟
حسب الفهم الإيراني وحديث المرشد "علي خامنئي"، والرئيس روحاني، ووزير خارجيته "ظريف"، فقد أكدوا جميعا على رسالة مشتركة حسب تصريحاتهم.
ونحن نحاول التحليل وفق منظور المسئولين الإيرانيين؟
وهي أن القضية الأولى والرئيسة: هو أن أمريكا تتصرف خارج العرف المتبع في العلاقات الدولية وخارج القواعد التي تتبعها أمريكا في تعهداتها الدولية.
والنقطة الثانية: هي أن إيران عندها إمكانات وعليها مسؤوليات في منطقة الخليج بخاصة، والمنطقة ككل، ومن المنطقي أنه عندما تفي إيران بالتزاماتها وتعهداتها، فيجب أن تحظى بميزات مقابل ذلك تؤمن لها الحضور في الساحات الدولية.
والنقطة الثالثة: هي أن عِداء أمريكا لإيران لا يستند إلى قواعد قانونية وحقوقية، ويتم من منطلق القوة ورسم صورة لما تريده إدارة "ترامب" بخصوص تغيير النظام الإيراني. وهذا المسعى لن يمر دون جواب، وقد يؤدي إلى نزاعات جدية لن تكون في صالح أمريكا نهاية المطاف. وقد أثبتت التجارب الأمريكية - حسب الفهم الإيراني - أنها تأتي إلى المنطقة وتتدخل في شؤونها وتحدث فيها دمارا كبيرا ثم تترك كل شيء على حاله وتنسحب بعد أن تحقق مكاسب مادية كبيرة.
والمسألة الرابعة: هي أن المحادثات مطلب من مطالب الإيرانيين؛ وهي المهمة لهم حسب رؤية وزير الخارجية “ظريف" الذي يعتقد أن أبواب الحوار مشرعة، واحتمال الحوار يبقى واردا، ولكن ضمن إطار يحفظ مصالح الطرفين، "فترامب" - حسب أقوال ظريف - لا يحتاج لسياسة يكون فيها الطرفان رابحين، بل يريد سياسة تحقق أمريكا من خلالها فوائد أكثر من غيرها.
النقطة الخامسة: إن هذه التصريحات لا زالت تعكس سياسة تبادل الأدوار، وفي الوقت نفسه عدم الانسجام بين والحرس الثوري الإيراني وزارة الخارجية الإيرانية، وهي علاقة كانت على الدوام غير منسجمة وكل جهة منهما تقوم بما يروق لها، يعني عندما تسمع تصريحات الجنرال "سلامي" الذي يقول: نحن نريد أن نبسط نفوذنا إلى جميع أنحاء العالم، وأن نضيق الساحة على الأعداء، ولا نترك لهم مكانا يشعرون فيه بالأمان.
وبموازاة ذلك جاءت تصريحات "ظريف" الذي يريد أن يجري مفاوضات مع الأميركيين! إذاً فالمسألة هي تبادل أدوار وتوزيع التصريحات والمسؤوليات لتحقيق أكبر قدر من الابتزاز، والتي يكمن هدفها النهائي في تدشين خط التفاوض المباشر مع واشنطن بعد أن أصبح النظام الإيراني على وشك الانهيار، وللحديث بقية...
وسوم: العدد 822